27 ديسمبر 2009

الا من ناصر ينصرنا !

في ماضي كل منا مانخجل به، ونستغفر الله عليه، ونتمنى لو عاد بنا الزمان الى تلك اللحظات لنمحوها بدماءنا اذا استطعنا الى ذلك سبيلاً .
وتاريخ الامم كماضي الافراد، فيه مايشرف ويدعو الى الاعتزاز والفخر، وفيه ما يخجل ويدعو الى الاشفاق والحزن.

فينا من ينظر الى ماضيه بعين بصيرة، يدقق في مسار حياته، ليرى ماذا قاده الى الانحدار، فيتجنبه في حاضره ومستقبله. ويرى ما الذي يقوده الى الكمال فيستزيد منه ويشكر الله عليه.
وفينا من يتناسي لحظات هوانه وذله وحقارته، ويشمخ برأسه كمن ليس في رقبته ذنب او تبعة او خطيئة من قول او فعل او حياد بين الخير والشر ... من وقوف لا مبالي على التل في حرب الباطل على الحق .
والامم كذلك، فيها من يتأمل في ماضيه بعين ماحدث بالفعل معتبراً مستغفراً، وفيها من ينظر الى تاريخه بعين مايرغب فيه متوهماً او مزوراً او مستكبراً.
ومن منا لا يرغب في ان يحمل فوق رأسه، تاريخاً ليس فيه ظلم او فساد او سفك للدماء المحترمة او عدوان على الله وعلى المستضعفين من عباده ؟.
تخيل ان يكتب ابن الفرعون الذي ذبح رجال بني يعقوب واستحي نساءهم، وفشل في مواجة موسى وهارون (عليهما السلام) ودمر الجيش الذي يقوده في مغامرة رعناء لتحدى الانبياء ومن ارسلهم .
تخيل ماذا قد يكتب ابن الفرعون هذا او يسمح بانتشاره عن تاريخ ابيه ؟
لعلنا كنا سنقرأ مايلي :
واجه الفرعون تحديات كبيرة في سعيه لبناء مؤسسات الدولة المصرية وتأمين حدوها ضد الغزاة من الخارج، وضمان امنها من المخربين في الداخل، وصيانة معتقداتها وثقافتها من هجمات التشويه والتحريف والتطاول على رموزها الشامخة .
واهم المخاطر التي واجهها بهمة عالية هي فتنة الجالية الاجنبية التي وفدت على زمن العبراني يوسف بن يعقوب، الذي دخل مصر عبداً ومنحته الدولة المصرية كل الفرص للتقدم والازدهار حتى اصبح وزيراً اول لا يصدر قرار الا بمشورته واذنه.
وكان جزاء من احتضنه وحرره من عبوديته واغناه بعد فقره ورفعه الى اعلى المناصب الحكومية، ان يشهد بام العين محاولته لاستغلال منصبه لتغيير نمط حياة المصريين والتآمر على تغيير ديانتهم، ونشر بدعة التوحيد بين صفوفهم.

ونظراً لما تمتع به الفراعنة من تسامح ديني، واطلاق للحريات الشخصية والدينية، انتشرت هرطقة يوسف وتضاعفت اعداد بني قومه وتسللوا لشغل وظائف حساسة في الدولة، وفي المؤسسات الاقتصادية والتجارية الى حد ان احدهم المسمى قارون اصبح لديه كنوز لا يستطيع حمل مفاتيحها الا عصبة من الرجال الاشداء .
وفي احدى الليالي شاهد الفرعون الملهم، نبؤة في منامه، انبأته بما لا يقبل الشك، بان حياته مهددة بالخطر على يد مولود ينتمي لهذه الجالية الجاحدة للمعروف. وعلى الفور اتخذ الفرعون اجراءات وقائية تجيزها الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان لكل حاكم يشعر بتهديد لسيادته على ارضه ومواطنيه، واصدر اربع قرارات حاسمة :
- ذبح كل غلام ذكر يولد لهذه الجالية الاجنبية الخطرة .
- يسرى ذبح الذكور في سنة ويعفى منها في سنة لضمان امداد مؤسسات الدولة بالقوى العاملة الرخيصة.
- تسخير كل ذكورها المولودين قبل رؤية الفرعون للخطر القادم، والمولودين في سنة العفو في اشغال شاقة تفيد الصالح العام للدولة ومواطنيها.
- رحمة نساءهم واستبقاءهم على قيد الحياة نظراً لوجود فاتنات يصلحن كجواري في قصر الفرعون وحاشيته، واستخدام من لا تصلح منهن للفراش في اعمال الخدمة المنزلية.
وعلى الفور تم عزل هذه الجالية الخائنة الكافرة بالدين المصري في معتقلات السخرة، وتم تكليف جهاز الامن المعروف بقدرته وكفائته ان يتولى مراقبة الحوامل وحساب اوقات وضعهن لارسال الذباحين في حال تجرأهن على مخالفة قوانين الدولة التي تنص على لا شرعية وضعهن لذكور.
الا ان الطيبة المصرية، وغض النظر من قبل بعض المكلفين بحفظ السياج العازل، سمحت لاحداهن بأن تضع حملها بدون اشراف الدولة. وفي تآمر وتخطيط ماكر وبعيد المدى، رمته في النهر، ليستطيع ان يتسلل الى قصر الفرعون على هيئة مولود لا يميز بين الجمرة والتمرة.
وبرغم سحنته العبرانية الواضحة، والمخاوف على سلامة الفرعون العظيم، والاجراءات الامنية المشددة، تمكنت هذه الجالية الماكرة من التلاعب بعواطف المصريين وزرعت احد ابناءها في قصر الفرعون نفسه، مستغلة للوصول الى هدفها سيدة مصر الاولى المشهورة بعطفها على اولاد الشوارع والعشوائيات.
وتربى الكافر بالهة المصريين والمخطط لاغتيال قيادتهم السياسية، كأمير في قصر الفرعون نفسه.
ولم يؤثر فيه الاحسان الفرعوني الكريم، والتربية على يد اشهر الكفاءات التعليمية ، واشراف الكهنة على تلقينه الديانة المصرية، وانحرف متعمداً عن سبيل الآلهة ليعتنق ديناًُ غريبا عن مصر ومعادياً لسلطتها ونظامها وطريقة حياتها.
وساعده على النجاة من قبضة العدالة، ميله الى السرية واخفاءه لاجتماعاته التآمرية مع احبار الديانة التوحيدية، وتظاهره العلني باحترام رموز ديانة المصريين.
ولكن العدالة الآلهية شاءت ان يفتضح امره على يد بني جلدته، وانكشفت المؤامرة وافتضحت جرائمه كقاتل، عندما تدخل لنصرة احد اخوته في الدين اثناء شجاره للمرة الثانية مع مصري وعندما هم بقتل المصري الثاني ظن العبراني انه يقصد قتله هو، فرفع صوته بالصراخ وافتضح الامير موسى ربيب الفرعون العظيم وهرب الى مدين فراراً من قبضة العدالة ... التي لا تميز بين جريمة يرتكبها الاشراف واخرى يرتكبها العامة.
وبعد اكثر من عقد من الزمن عاد القاتل بصحبة اخيه المولود في سنة العفو، في حالة يرثى لها من الفقر والاضطراب النفسي، ليطلبا من الفرعون ترك ديانته واتباع مذهبهم الغريب، والسماح لهم باخراج ثروة مصر من العبيد والمسخرين في مصالحها الى وطن اجدادهم.
وبكل حكمة وتروى وتسامح، حاول الفرعون ان يرد هاذين الرجلين الى عقلهما، وان يذكرهم بالولاء لارض مصر ودين مصر وآلهة مصر. الا انهما اصرا على الكفر والولاء للخارج واستعملاً السحر الذي جادت مصر بتعليمه لهما للاضرار بمصر نفسها وشعبها وقائدها المفدى.
وفي حركة تكتيكية بارعة، ولضمان سلامة الشعب المصري من اذى هاذين الساحرين، سمحت الحكومة الفرعونية لهما ومن يرغب من اتباعهما بالخروج من مصر الى الصحراء، ليتمكن الجيش المصري الباسل من مواجهتهم في العراء وضمان عدم تترسهم بالنساء والاطفال واتخاذهم للمصريين دروعاً بشرية .
وعند البحر الاحمر وصلت طلائع عربات جيشنا الباسل وادركت بني يعقوب هناك، وزحف الجيش الجبار وفي مقدمته الفرعون بنفسه، ومن المعروف عنه بانه كان يحارب مع ابناءه في الجيش ولا يتردد في تقديم حياته فداءاً لمصر وديانتها، ولا يختبيء في قصره مع عائلته وحاشيته ويرسل جنوده الى معارك لا طائل من تحتها الا السحت من المال الحرام المأخوذ كرشوة من الدجال لقتال اشقاءه فيما وراء البحار.
وهناك حدثت المآساة الكبرى، ورسم الفرعون وجيش مصر الابى، صورة من صور البطولة، وامثولة تاريخية خلدت يوم كيبور المجيد.
هرب يومها بني يعقوب مرعوبين من ضخامة حشدنا المقدام، واستغل ساحرهم معرفته السحرية لخلق ممرات فلقت البحر طرقاً على عدد قبائل بني يعقوب، ولم يتردد ابناءنا وقائدهم العظيم في اقتحام البحر خلف اعداء مصر وكاد الجيش ان يتمكن من تدمير فلولهم الهاربة ... لولا الثغرة .
ثغرة السحر والغدر والخيانة التي مكنت بني يعقوب النفاذ من البحر الهائج، واعادته الى هيجانه عندما اصبح جيشنا الباسل في منتصفه.
وقدمت مصر الخالدة، جيشها وقائدها العظيم، ضحايا وقرابين، على مذبح فداء الوطن والدين.

: قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة !

اتحدى كل من له عقل، ان يعرف من قال هذه العبارة، ومن قيلت في حقه !.
اتحدى كل من له مخيلة واسعة، ان يجترح اعجوبة تخيل من قالها ومن قيلت في حقه !.

واتحدى ان لا تكون الدعوات المماثلة التي تعج بها الانترنت، وتفيض عن فضائيات العهر الديني، والصيحات التي تخرج من افواه الطامعين بفتات موائد السلاطين، ليست الا رجع الصدى لفجور هذه العبارة وقائليها .

جيش من ألوف مؤلفة يقطع الطريق على موكب لايصل عدد من فيه للمائة من طالبي الاصلاح في الدولة الاسلامية الوليدة، وعلى رأسه الحسين بن علي (ع) .
احد المرتزقة من قادة هذا الجيش القاطع للطريق، ارسل بيعته ورسائله للحسين (ع) يدعوه لنصرة دين جده من جور بني امية واستهانتهم بالمقدسات، وبعد ان تمت رشوته بالذهب المسروق من خزائن المسلمين، يقف ويحرض اتباعه على قتال الحسين وشيعته (ع) ويقول بملء فمه :
قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة !!!!!

هذا حدث منذ قليل من الآن ...
قبل ساعات ...
اغمض عينيك واطوى صفحة الزمن وانظر بعين البصيرة الى ماوراء الاثير :
شمس تشرق على غابة من الرماح والسيوف من قاطعي الطرق والصادين عن سبيل الله، تقف بلا خجل ولا حياء ولا مخافة من الله في وجه من قال عنه الرسول (ص) :
حسين مني وأنا من حسين ... أحب الله من أحب حسيناً.
وافتح عينيك الآن وانظر: ماذا يفعلون بكل من يعارضهم، او يقف ليذكرهم بواجباتهم الشرعية والوطنية، او ينهض للدفاع عن نفسه وعرضه ووطنه استدراكاً لاهمالهم الذي عرضنا لاخطار الغزو الخارجي ... ماذا يطلقون على هؤلاء الابطال الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من اوصاف ونعوت :
مغامرين ؟
مهربي اسلحة ؟
قلة مندسة ؟
ارهابيين ؟
متسللين ؟
روافض ؟
كفرة ؟
ولاءهم للخارج ؟
يهددون السيادة الوطنية ؟
يشكلون خطراً على الامن القومي ؟!! .
عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
بالامس .... وقف سيد الشهداء يلقى الحجة على كل من سمع ويقول :
الا من ناصر ينصرنا ؟ الا من ذاب يذب عن حرم رسول الله (ص) ؟ هل من معين يرجو الله في إعانتنا ؟.
واليوم مليون ونصف مليون فلسطيني يعزلون في معسكر اعتقال تحده الاسوار من كل جهة، ومليون يمني يهجرون من مساكنهم وتقصفهم الطائرات الامريكية صبح مساء، وملايين العراقيين يتعرضون للقتل اليومي على ايدى همج رعاع لا يعرفون رباً الا الدولار الذي منحوه ثقتهم وولاءهم.
كل هؤلاء يصرخون فيك بنداء سيد الاحرار ...
هذا النداء موجه لنا، ولم يطلقه الامام يومها الا ليصل اليوم الى مسامعنا ..
لماذا لا ننضم الى معسكر سبط رسول الله ؟
ننهض الى نصرة قيمه ومبادئه واخلاقه في وجه الدجال الامريكي وربيبته اسرائيل ومن والاهم وسار فينا بسيرتهم.
واذا اعجزنا السلاح فلنرمهم بحجر ... بكلمة ... وهذا اضعف الايمان .
موقف نبيض به وجوهنا امام الله يوم القيامة .
ولنصرخ مجيبين لنداء الامام الحسين (ع) :
الا من ناصر ينصرنا ؟
ونقول :
لبيك داعي الله
أن لم يجبك بدني ولساني عند إستغاثتك يومها ... فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري وجوارحي الآن يابن بنت رسول الله.

20 ديسمبر 2009

ماذا لو استشهد السيد عبدالملك الحوثي؟

اسأل الله له ولانصاره ومحبيه طول العمر والمزيد من النكاية في الظالمين واعوانهم والمتعيشين على معالفهم...
... ولكن على فرض صحت الاخبار ونال السيد شرف ماسعى اليه مهرولاً مستعجلاً ، وفاز بما طلبه حثيثاً وباصرار لا يعرفه الا من جرب حلاوة العشق ومرارة البعد عن المعشوق.
بعضهم يتوهم ان بقتله ستنتهي مسيرة طلب الحرية، وان محبيه سيفقدون روحهم المعنوية، وانهم سيستسلمون خانعين للظالم الذي اذلوه، وللمتجبر الذي مرغوا انفه بالتراب.
وستعود بعروجه الى ميقات ربه هناءة عيش المفسدين في الارض، ليمارسوا فيمن تبقى من بعده، سياسة استعباد من خلقهم الله احراراً .
بعيداً عن التنظير يكفى ان نستقرأ الماضي القريب، وملاحظة ان استشهاد رمز الحوثيين الاول السيد حسين بن بدرالدين الحوثي، لم يترك في انصاره اي ميل الى الإستسلام، بل كانت شهادته عاملاً حاسماً في تحول موجة البراءة من الطواغيت الى بحر هائج يعصف بمن مكروا ويرد الصاع صاعين. وببركة استشهاد السيد ارتفعت راية الحوثيين الى السماء، واصبحوا مثلاً من امثلة البطولة، واسطورة عسكرية وتنظيمية في الميدان.
ويكفيهم فخراً انهم يواجهون الدجال الامريكي واغنى واقوى دولة تابعة له في الخليج من جهة، ويصدون بلا كلل هجمات الجيش اليمني الباغي على اهله في جهة اخرى.

(وكأن ذلك لا يكفى لاظهار معدن الحوثيين النادر، وشجاعتهم الخارقة، فتتكشف يوماً بعد يوم معلومات عن اشتراك مرتزقة في المعركة ضدهم، وتوافد اسلحة ومعدات من افضل مايمكن شراءه بالمال، وطوابير عسكرية من دول البؤس التي تتاجر بابناءها وترسلهم الى المحرقة ضحايا على مذبح آل سعود).
فلسفة الشهادة لمعتنقيها بسيطة للغاية: تهدي لله محدود ماتملك، ويهدى اليك الله بلا حدود من عظيم ما يملك .
كل الامم التي يقدم قادتها ارواحهم على مذبح خدمتها تقرباً الى الله، تتحرر من عبودية الداخل والخارج، وبعكسها الامم التي يظن قادتها ان ارواحهم اعز واشرف من ارواح مناصريهم.
معادلة النصر هذه، كتبها الشهيد السعيد حسين الحوثي بدمه. تضحيته بنفسه رسمت معالم الطريق، واخوانه يتسابقون الى تعبيدها باجسادهم وانارتها بدمائهم ...
وقد قالها من قبل سيد الشهداء:

القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهاد
ة
والسيد عبدالملك، هو فرع لهذه الشجرة الطيبة، وثمرة من ثمراتها. وعندما يجود بنفسه من اجل امته، ستكون شهادته بداية خلوده في الدنيا والآخرة، ويصبح شهيداً كما كان حياً ... جسراً يعبر عليه المظلومين للنصر على الظالمين.
السلام على عبدالملك يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا