24 ديسمبر 2010

رفاق عماد مغنية

ابراهيم الامين /جريدة الاخبار اللبنانية

في كتابه «نيران على قواتنا»، أورد مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف» تحت عنوان معركة مارون الراس: «تقرر احتلال بلدة مارون الراس اللبنانية. القوات الإسرائيلية ألقت القبض على أحد المواطنين في القرية وحققت معه، فقاد الجنود إلى مبنى في القرية كان مقراً للتنصت تابعاً لحزب الله. المعدات التي وُجدت عند حزب الله تتمتع بجودة عالية وتتفوق كثيراً على المعدات التي امتلكتها وحدة التنصت الإسرائيلية. حزب الله كان يتنصت على الجيش الإسرائيلي 24 ساعة يومياً، وذلك ليس فقط على شبكة الهواتف في الوحدات على الحدود، بل تنصّت على الوحدات الفاعلة ميدانياً. كان أفراد حزب الله يمتلكون تفاصيل ومعلومات عن قادة الجيش».

لم تمض أيام قليلة على توقف نيران حرب تموز عام 2006، حتى كانت إسرائيل مشغولة بأكبر المفاجآت التي واجهتها منذ قيامها. ثمة عدو يقف في الجهة المقابلة. ليس جسداً فحسب، وليس قراراً أو فهماً أو اقتناعاً. بل ثمة ما لم يعرفه الإسرائيليون عند العرب سابقاً. هناك نوع من المثابرة القائمة على العلم وسيلة أساسية لمعرفة أدوات الحرب ولتوفير أسباب النصر، وثمة قدرة على استخدام الإمكانات والسعي إلى الحصول عليها، ولو في آخر الدنيا، والنجاح في الوصول إليها برغم كل أنواع العراقيل التي تتولاها حكومات وجيوش ودول. كانت الضربة الأقسى في تلك الجولة، أن إسرائيل تسير عمياء في أرض لبنان، بينما يقف قبالتها، من عرفها جيداً، ومن تعلمها حرفاً حرفاً، وعرف أين يكون الوجع.

شُغل اللبنانيون بالاشتباك السياسي المستمر بقوة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهم في لحظة الصراخ تجاهلوا أن اشتباكاً من نوع مختلف يقوم على الساحة هنا وعلى ساحات أخرى، حيث أعنف حرب أمنية تقوم بين إسرائيل وأعدائها. عرف اللبنانيون النتائج النهائية فقط. جاء في نشرات الأخبار أنه أُوقف مشتبه فيهم بتعاملهم مع العدو في أكثر من منطقة وأكثر من قطاع. لكن لا أحد حتى اليوم يعرف حجم العمل الهائل والطاقات الهائلة والجهد الاستثنائي، التي تقف خلف هذا الفصل النوعي في تاريخ الصراع بين العرب وإسرائيل.

لم يكن بيننا من يتشكك يوماً في تفوق العدو الأمني. ولم يكن بيننا من يتشكك يوماً في أن أجهزة الاستخبارات في بلادنا العربية إنما هي مشغولة بملاحقة المواطنين لحفظ الحاكم وحاشيته. وقلما سمعنا، بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، عن إنجاز يعكس ثبات مكافحة التجسّس الإسرائيلية أولويةً لا يتقدّمها عنوان آخر.

ولأن عالم الأمن والاستخبارات موجود بعيداً عن الأعين، وهواءه موجود تحت الأرض، فإنّ من الصعب تلمّس حجم المتغيرات التي طرأت خلال العقد الأخير على المواجهة الأمنية بين العدو والمقاومة. وهي مواجهة تبدو الآن في مرحلة مفصلية، وتسير قدماً نحو لحظة التعادل السلبي، تلك التي تجعل العدو يخشى الكثير، فيما لا يسيطر على عقلنا وهم التفوق الأبدي للأعداء.

في لبنان، الساحة الأكثر اشتعالاً، جهود حقيقية. على مستوى الدولة، هناك استخبارات عسكرية للجيش اللبناني تحتاج إلى تفعيل وتنشيط يجعلها في موقع متقدم، بينما نجح فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في احتلال موقع متقدم بسبب مثابرة وجهد مميزين، وأحسن استخدام معونة يختلف الناس على أسباب وجودها.


لكنْ، خلف الجدار الرسمي، جهاز قوي، كبير، متطور، وفيه كل الاختصاصات المطلوبة، وفيه طاقات بشرية وإمكانات تقنية بالغة الدقة، ويديره رجال يتدربون يومياً على الجديد، له عيون السمك التي ترى الإضافي عن البشر العاديين. وفيه شباب قلما يهتمون بتفاصيل أوساخنا الداخلية اليومية، هناك العنوان الأبرز، الذي لا عنوان له، لا وجوه ولا أسماء، إلى حيث ينبت عشب من نوع خاص. فتيان كانوا عندما رمتهم الدنيا يبحثون عن لقمة عيش، ثم وجدوا أنفسهم في قلب معركة وهبوها كل ما يملكون، أعمارهم وحكاياتهم وما تعلموه.

سيأتي يوم يكتب فيه كل تاريخ هؤلاء، كما تاريخ الشهيد عماد مغنية، قائدهم الكبير الذي رحل في لحظة سهو، لكنه كان مثالاً للذين لا يخرجون إلى الضوء إلا شهداء.
 




ليست هناك تعليقات: