27 ديسمبر 2009

الا من ناصر ينصرنا !

في ماضي كل منا مانخجل به، ونستغفر الله عليه، ونتمنى لو عاد بنا الزمان الى تلك اللحظات لنمحوها بدماءنا اذا استطعنا الى ذلك سبيلاً .
وتاريخ الامم كماضي الافراد، فيه مايشرف ويدعو الى الاعتزاز والفخر، وفيه ما يخجل ويدعو الى الاشفاق والحزن.

فينا من ينظر الى ماضيه بعين بصيرة، يدقق في مسار حياته، ليرى ماذا قاده الى الانحدار، فيتجنبه في حاضره ومستقبله. ويرى ما الذي يقوده الى الكمال فيستزيد منه ويشكر الله عليه.
وفينا من يتناسي لحظات هوانه وذله وحقارته، ويشمخ برأسه كمن ليس في رقبته ذنب او تبعة او خطيئة من قول او فعل او حياد بين الخير والشر ... من وقوف لا مبالي على التل في حرب الباطل على الحق .
والامم كذلك، فيها من يتأمل في ماضيه بعين ماحدث بالفعل معتبراً مستغفراً، وفيها من ينظر الى تاريخه بعين مايرغب فيه متوهماً او مزوراً او مستكبراً.
ومن منا لا يرغب في ان يحمل فوق رأسه، تاريخاً ليس فيه ظلم او فساد او سفك للدماء المحترمة او عدوان على الله وعلى المستضعفين من عباده ؟.
تخيل ان يكتب ابن الفرعون الذي ذبح رجال بني يعقوب واستحي نساءهم، وفشل في مواجة موسى وهارون (عليهما السلام) ودمر الجيش الذي يقوده في مغامرة رعناء لتحدى الانبياء ومن ارسلهم .
تخيل ماذا قد يكتب ابن الفرعون هذا او يسمح بانتشاره عن تاريخ ابيه ؟
لعلنا كنا سنقرأ مايلي :
واجه الفرعون تحديات كبيرة في سعيه لبناء مؤسسات الدولة المصرية وتأمين حدوها ضد الغزاة من الخارج، وضمان امنها من المخربين في الداخل، وصيانة معتقداتها وثقافتها من هجمات التشويه والتحريف والتطاول على رموزها الشامخة .
واهم المخاطر التي واجهها بهمة عالية هي فتنة الجالية الاجنبية التي وفدت على زمن العبراني يوسف بن يعقوب، الذي دخل مصر عبداً ومنحته الدولة المصرية كل الفرص للتقدم والازدهار حتى اصبح وزيراً اول لا يصدر قرار الا بمشورته واذنه.
وكان جزاء من احتضنه وحرره من عبوديته واغناه بعد فقره ورفعه الى اعلى المناصب الحكومية، ان يشهد بام العين محاولته لاستغلال منصبه لتغيير نمط حياة المصريين والتآمر على تغيير ديانتهم، ونشر بدعة التوحيد بين صفوفهم.

ونظراً لما تمتع به الفراعنة من تسامح ديني، واطلاق للحريات الشخصية والدينية، انتشرت هرطقة يوسف وتضاعفت اعداد بني قومه وتسللوا لشغل وظائف حساسة في الدولة، وفي المؤسسات الاقتصادية والتجارية الى حد ان احدهم المسمى قارون اصبح لديه كنوز لا يستطيع حمل مفاتيحها الا عصبة من الرجال الاشداء .
وفي احدى الليالي شاهد الفرعون الملهم، نبؤة في منامه، انبأته بما لا يقبل الشك، بان حياته مهددة بالخطر على يد مولود ينتمي لهذه الجالية الجاحدة للمعروف. وعلى الفور اتخذ الفرعون اجراءات وقائية تجيزها الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان لكل حاكم يشعر بتهديد لسيادته على ارضه ومواطنيه، واصدر اربع قرارات حاسمة :
- ذبح كل غلام ذكر يولد لهذه الجالية الاجنبية الخطرة .
- يسرى ذبح الذكور في سنة ويعفى منها في سنة لضمان امداد مؤسسات الدولة بالقوى العاملة الرخيصة.
- تسخير كل ذكورها المولودين قبل رؤية الفرعون للخطر القادم، والمولودين في سنة العفو في اشغال شاقة تفيد الصالح العام للدولة ومواطنيها.
- رحمة نساءهم واستبقاءهم على قيد الحياة نظراً لوجود فاتنات يصلحن كجواري في قصر الفرعون وحاشيته، واستخدام من لا تصلح منهن للفراش في اعمال الخدمة المنزلية.
وعلى الفور تم عزل هذه الجالية الخائنة الكافرة بالدين المصري في معتقلات السخرة، وتم تكليف جهاز الامن المعروف بقدرته وكفائته ان يتولى مراقبة الحوامل وحساب اوقات وضعهن لارسال الذباحين في حال تجرأهن على مخالفة قوانين الدولة التي تنص على لا شرعية وضعهن لذكور.
الا ان الطيبة المصرية، وغض النظر من قبل بعض المكلفين بحفظ السياج العازل، سمحت لاحداهن بأن تضع حملها بدون اشراف الدولة. وفي تآمر وتخطيط ماكر وبعيد المدى، رمته في النهر، ليستطيع ان يتسلل الى قصر الفرعون على هيئة مولود لا يميز بين الجمرة والتمرة.
وبرغم سحنته العبرانية الواضحة، والمخاوف على سلامة الفرعون العظيم، والاجراءات الامنية المشددة، تمكنت هذه الجالية الماكرة من التلاعب بعواطف المصريين وزرعت احد ابناءها في قصر الفرعون نفسه، مستغلة للوصول الى هدفها سيدة مصر الاولى المشهورة بعطفها على اولاد الشوارع والعشوائيات.
وتربى الكافر بالهة المصريين والمخطط لاغتيال قيادتهم السياسية، كأمير في قصر الفرعون نفسه.
ولم يؤثر فيه الاحسان الفرعوني الكريم، والتربية على يد اشهر الكفاءات التعليمية ، واشراف الكهنة على تلقينه الديانة المصرية، وانحرف متعمداً عن سبيل الآلهة ليعتنق ديناًُ غريبا عن مصر ومعادياً لسلطتها ونظامها وطريقة حياتها.
وساعده على النجاة من قبضة العدالة، ميله الى السرية واخفاءه لاجتماعاته التآمرية مع احبار الديانة التوحيدية، وتظاهره العلني باحترام رموز ديانة المصريين.
ولكن العدالة الآلهية شاءت ان يفتضح امره على يد بني جلدته، وانكشفت المؤامرة وافتضحت جرائمه كقاتل، عندما تدخل لنصرة احد اخوته في الدين اثناء شجاره للمرة الثانية مع مصري وعندما هم بقتل المصري الثاني ظن العبراني انه يقصد قتله هو، فرفع صوته بالصراخ وافتضح الامير موسى ربيب الفرعون العظيم وهرب الى مدين فراراً من قبضة العدالة ... التي لا تميز بين جريمة يرتكبها الاشراف واخرى يرتكبها العامة.
وبعد اكثر من عقد من الزمن عاد القاتل بصحبة اخيه المولود في سنة العفو، في حالة يرثى لها من الفقر والاضطراب النفسي، ليطلبا من الفرعون ترك ديانته واتباع مذهبهم الغريب، والسماح لهم باخراج ثروة مصر من العبيد والمسخرين في مصالحها الى وطن اجدادهم.
وبكل حكمة وتروى وتسامح، حاول الفرعون ان يرد هاذين الرجلين الى عقلهما، وان يذكرهم بالولاء لارض مصر ودين مصر وآلهة مصر. الا انهما اصرا على الكفر والولاء للخارج واستعملاً السحر الذي جادت مصر بتعليمه لهما للاضرار بمصر نفسها وشعبها وقائدها المفدى.
وفي حركة تكتيكية بارعة، ولضمان سلامة الشعب المصري من اذى هاذين الساحرين، سمحت الحكومة الفرعونية لهما ومن يرغب من اتباعهما بالخروج من مصر الى الصحراء، ليتمكن الجيش المصري الباسل من مواجهتهم في العراء وضمان عدم تترسهم بالنساء والاطفال واتخاذهم للمصريين دروعاً بشرية .
وعند البحر الاحمر وصلت طلائع عربات جيشنا الباسل وادركت بني يعقوب هناك، وزحف الجيش الجبار وفي مقدمته الفرعون بنفسه، ومن المعروف عنه بانه كان يحارب مع ابناءه في الجيش ولا يتردد في تقديم حياته فداءاً لمصر وديانتها، ولا يختبيء في قصره مع عائلته وحاشيته ويرسل جنوده الى معارك لا طائل من تحتها الا السحت من المال الحرام المأخوذ كرشوة من الدجال لقتال اشقاءه فيما وراء البحار.
وهناك حدثت المآساة الكبرى، ورسم الفرعون وجيش مصر الابى، صورة من صور البطولة، وامثولة تاريخية خلدت يوم كيبور المجيد.
هرب يومها بني يعقوب مرعوبين من ضخامة حشدنا المقدام، واستغل ساحرهم معرفته السحرية لخلق ممرات فلقت البحر طرقاً على عدد قبائل بني يعقوب، ولم يتردد ابناءنا وقائدهم العظيم في اقتحام البحر خلف اعداء مصر وكاد الجيش ان يتمكن من تدمير فلولهم الهاربة ... لولا الثغرة .
ثغرة السحر والغدر والخيانة التي مكنت بني يعقوب النفاذ من البحر الهائج، واعادته الى هيجانه عندما اصبح جيشنا الباسل في منتصفه.
وقدمت مصر الخالدة، جيشها وقائدها العظيم، ضحايا وقرابين، على مذبح فداء الوطن والدين.

: قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة !

اتحدى كل من له عقل، ان يعرف من قال هذه العبارة، ومن قيلت في حقه !.
اتحدى كل من له مخيلة واسعة، ان يجترح اعجوبة تخيل من قالها ومن قيلت في حقه !.

واتحدى ان لا تكون الدعوات المماثلة التي تعج بها الانترنت، وتفيض عن فضائيات العهر الديني، والصيحات التي تخرج من افواه الطامعين بفتات موائد السلاطين، ليست الا رجع الصدى لفجور هذه العبارة وقائليها .

جيش من ألوف مؤلفة يقطع الطريق على موكب لايصل عدد من فيه للمائة من طالبي الاصلاح في الدولة الاسلامية الوليدة، وعلى رأسه الحسين بن علي (ع) .
احد المرتزقة من قادة هذا الجيش القاطع للطريق، ارسل بيعته ورسائله للحسين (ع) يدعوه لنصرة دين جده من جور بني امية واستهانتهم بالمقدسات، وبعد ان تمت رشوته بالذهب المسروق من خزائن المسلمين، يقف ويحرض اتباعه على قتال الحسين وشيعته (ع) ويقول بملء فمه :
قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة !!!!!

هذا حدث منذ قليل من الآن ...
قبل ساعات ...
اغمض عينيك واطوى صفحة الزمن وانظر بعين البصيرة الى ماوراء الاثير :
شمس تشرق على غابة من الرماح والسيوف من قاطعي الطرق والصادين عن سبيل الله، تقف بلا خجل ولا حياء ولا مخافة من الله في وجه من قال عنه الرسول (ص) :
حسين مني وأنا من حسين ... أحب الله من أحب حسيناً.
وافتح عينيك الآن وانظر: ماذا يفعلون بكل من يعارضهم، او يقف ليذكرهم بواجباتهم الشرعية والوطنية، او ينهض للدفاع عن نفسه وعرضه ووطنه استدراكاً لاهمالهم الذي عرضنا لاخطار الغزو الخارجي ... ماذا يطلقون على هؤلاء الابطال الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من اوصاف ونعوت :
مغامرين ؟
مهربي اسلحة ؟
قلة مندسة ؟
ارهابيين ؟
متسللين ؟
روافض ؟
كفرة ؟
ولاءهم للخارج ؟
يهددون السيادة الوطنية ؟
يشكلون خطراً على الامن القومي ؟!! .
عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
بالامس .... وقف سيد الشهداء يلقى الحجة على كل من سمع ويقول :
الا من ناصر ينصرنا ؟ الا من ذاب يذب عن حرم رسول الله (ص) ؟ هل من معين يرجو الله في إعانتنا ؟.
واليوم مليون ونصف مليون فلسطيني يعزلون في معسكر اعتقال تحده الاسوار من كل جهة، ومليون يمني يهجرون من مساكنهم وتقصفهم الطائرات الامريكية صبح مساء، وملايين العراقيين يتعرضون للقتل اليومي على ايدى همج رعاع لا يعرفون رباً الا الدولار الذي منحوه ثقتهم وولاءهم.
كل هؤلاء يصرخون فيك بنداء سيد الاحرار ...
هذا النداء موجه لنا، ولم يطلقه الامام يومها الا ليصل اليوم الى مسامعنا ..
لماذا لا ننضم الى معسكر سبط رسول الله ؟
ننهض الى نصرة قيمه ومبادئه واخلاقه في وجه الدجال الامريكي وربيبته اسرائيل ومن والاهم وسار فينا بسيرتهم.
واذا اعجزنا السلاح فلنرمهم بحجر ... بكلمة ... وهذا اضعف الايمان .
موقف نبيض به وجوهنا امام الله يوم القيامة .
ولنصرخ مجيبين لنداء الامام الحسين (ع) :
الا من ناصر ينصرنا ؟
ونقول :
لبيك داعي الله
أن لم يجبك بدني ولساني عند إستغاثتك يومها ... فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري وجوارحي الآن يابن بنت رسول الله.

20 ديسمبر 2009

ماذا لو استشهد السيد عبدالملك الحوثي؟

اسأل الله له ولانصاره ومحبيه طول العمر والمزيد من النكاية في الظالمين واعوانهم والمتعيشين على معالفهم...
... ولكن على فرض صحت الاخبار ونال السيد شرف ماسعى اليه مهرولاً مستعجلاً ، وفاز بما طلبه حثيثاً وباصرار لا يعرفه الا من جرب حلاوة العشق ومرارة البعد عن المعشوق.
بعضهم يتوهم ان بقتله ستنتهي مسيرة طلب الحرية، وان محبيه سيفقدون روحهم المعنوية، وانهم سيستسلمون خانعين للظالم الذي اذلوه، وللمتجبر الذي مرغوا انفه بالتراب.
وستعود بعروجه الى ميقات ربه هناءة عيش المفسدين في الارض، ليمارسوا فيمن تبقى من بعده، سياسة استعباد من خلقهم الله احراراً .
بعيداً عن التنظير يكفى ان نستقرأ الماضي القريب، وملاحظة ان استشهاد رمز الحوثيين الاول السيد حسين بن بدرالدين الحوثي، لم يترك في انصاره اي ميل الى الإستسلام، بل كانت شهادته عاملاً حاسماً في تحول موجة البراءة من الطواغيت الى بحر هائج يعصف بمن مكروا ويرد الصاع صاعين. وببركة استشهاد السيد ارتفعت راية الحوثيين الى السماء، واصبحوا مثلاً من امثلة البطولة، واسطورة عسكرية وتنظيمية في الميدان.
ويكفيهم فخراً انهم يواجهون الدجال الامريكي واغنى واقوى دولة تابعة له في الخليج من جهة، ويصدون بلا كلل هجمات الجيش اليمني الباغي على اهله في جهة اخرى.

(وكأن ذلك لا يكفى لاظهار معدن الحوثيين النادر، وشجاعتهم الخارقة، فتتكشف يوماً بعد يوم معلومات عن اشتراك مرتزقة في المعركة ضدهم، وتوافد اسلحة ومعدات من افضل مايمكن شراءه بالمال، وطوابير عسكرية من دول البؤس التي تتاجر بابناءها وترسلهم الى المحرقة ضحايا على مذبح آل سعود).
فلسفة الشهادة لمعتنقيها بسيطة للغاية: تهدي لله محدود ماتملك، ويهدى اليك الله بلا حدود من عظيم ما يملك .
كل الامم التي يقدم قادتها ارواحهم على مذبح خدمتها تقرباً الى الله، تتحرر من عبودية الداخل والخارج، وبعكسها الامم التي يظن قادتها ان ارواحهم اعز واشرف من ارواح مناصريهم.
معادلة النصر هذه، كتبها الشهيد السعيد حسين الحوثي بدمه. تضحيته بنفسه رسمت معالم الطريق، واخوانه يتسابقون الى تعبيدها باجسادهم وانارتها بدمائهم ...
وقد قالها من قبل سيد الشهداء:

القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهاد
ة
والسيد عبدالملك، هو فرع لهذه الشجرة الطيبة، وثمرة من ثمراتها. وعندما يجود بنفسه من اجل امته، ستكون شهادته بداية خلوده في الدنيا والآخرة، ويصبح شهيداً كما كان حياً ... جسراً يعبر عليه المظلومين للنصر على الظالمين.
السلام على عبدالملك يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا

24 نوفمبر 2009

حان الوقت لتجد حماراً آخر !

شيمون بيرز لمحمود عباس : اتوجه اليك كزميل لا تذهب !.
محمود عباس : حان الوقت لتجد حماراً آخر !.


'It's time for you to find another donkey.'

MAHMOUD ABBAS, Palestinian Authority President, after saying he would not seek re-election

'I turn to you as a colleague. Don't let go.'

SHIMON PERES, Israeli President, urging Abbas to rethink his decision to step down
http://www.time.com/time/magazine/article/0,9171,1938742,00.html

12 نوفمبر 2009

عن آل سعود والحرب على اليمن! اخترت لكم ..






الحوثييون يكسبون الجولة الأولى ضد آل سعود


لم يقتنع العرب والمسلمون بمبررات السعودية بشأن اعلانها الحرب المباشرة على الحوثيين في اليمن، ولا السعوديون اقتنعوا أيضاً، عدا أولئك المنتمين الى الدم النجدي الأزرق من المنتفعين والقابضين على السلطة، من الذين يوجهون ويقررون المعارك في حين يذهب الجنوبيون وهم أفراد القوات السعودية الدنيا الى الحرب والقتل والأسر.
كل الجرحى، وكل القتلى، وكل الأسرى في صفوف السعوديين هم من أهل الجنوب، ولا يوجد نجدي واحد يقاتل على الجبهة، فالقتل لغيرهم، والمنفعة لهم في وقت ينفخون في نار الحرب، والطائفية، ويوجهون المعارك بالجملة ضد المواطنين في الحجاز والشرق باعتبارهم غير وطنيين لأنهم لم يعلنوا دعمهم لقوات نجد الباسلة!
لماذا الحرب؟ هل هي لدعم علي عبدالله صالح؟ هل هي لإيقاف التسلل من مواطنين يمنيين باحثين عن عمل، فأصبح كل متسلل حوثي؟! هل هي حرب طائفية ضد الشيعة (الزيدية هذه المرة)؟ هل هي مناكفة مع ايران؟
لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا تريد السعودية، وما الذي جعلها تنخرط في الحرب غير المبررة، لمجرد أن جندياً قتل من حرس حدودها؟ هل هذا يبرر استخدام الطائرات وحشد نحو خمسين ألف جندي على الحدود، وقصف القرى والمواقع اليمنية بالطائرات والمدافع الثقيلة؟
لا يوجد مبرر مطلقاً. تستطيع الحكومة السعودية ـ إن كانت ترى القضية قضية متسللين ـ أن تغلق حدودها بدون حروب.
وتستطيع السعودية أن تستثير النزعة الوطنية لدى السعوديين ـ إن وجدت! ـ دون أن تستخدم الخطاب الطائفي ضد الشيعة وضد الصوفية، خاصة في الداخل.


لماذا تفتح لها معركة في الداخل ضد شعبها أو جزءً كبيراً منه، في وقت تزعم فيه أنها مضطرة لخوض حرب ضد مجرد (فلول وشراذم)!
وتستطيع السعودية أن تحقق انتصارات في الأهداف، إن كانت ضمن حدودها، لا أن تروج للقضاء على الحوثيين وتعلن في بيان رسمي أنها بصدد الدخول الى اليمن بالتنسيق مع الحكومة هناك، لجعل الحوثيين بين فكي كماشة جيشين، ودون أن تبادر الى المعركة البرية التي خسرت أولى جولاتها فأسر عدد منهم.
(التواضع) ليست صفة سعودية/ نجدية، فالعائلة المالكة وأتباع الوهابية يستخفون كل أحد ديناً وثقافة وحتى عرقاً!ويعتقدون أن أموالهم ووهابيتهم منحتهم الحق في الاستعلاء على الآخرين، والاستهانة بهم. وهنا مقتل الحكومة والوهابية، التي وضعت أهدافاً كبيرة غير قادرة على انجازها. حتى أنها غير قادرة كما يبدو على ضبط حدودها، وغير قادرة على إدارة مشكلة النازحين من قراهم وتوفير المأوى المناسب.


عجزت السعودية في إقناع الآخرين بأنها تمارس حرباً دفاعية. فكيف يحشد جيشا عرمرما بمختلف الأسلحة الثقيلة والحديثة ضد (زمرة حوثية) أو ضد (مدنيين يمنيين متسللين للعمل)؟!
سياسياً انتقد الإتحاد الأوروبي توسيع الحرب، وحمل علي عبد الله صالح مسؤولية الحفاظ على أرواح المدنيين، وانتقد منع قوافل الإغاثة للنازحين.


مشيراً بطرف خفي لما تقوم به السعودية نفسها والتي تلقت نقداً كبيراً من المنظمات الدولية ضد تصرفاتها إزاء منع وصول الإمدادات للمدنيين المحاصرين في صعدة.
والولايات المتحدة التي اعطت الضوء الأخضر لعدوان آل سعود، نصحت السعوديين بعدم توسيع الحرب، لأنه لا يمكن حسمها عسكرياً كما جاء في بيان المتحدث باسم الخارجية الأميركية.


وكأن الأميركيين يقولون للسعوديين إن أردتم التجربة فجرّبوا! لن نكون معكم في القتال فنحن مشغولون في العراق وأفغانستان، انزعوا شوككم لوحدكم وتحملوا نتائج سياساتكم.
لم تدعم السعودية إلا بضع دول، وكلها أكدت حق السعودية في الدفاع عن أراضيها، وهذا حق. ولكن السعودية لا تدافع عن أراضيها وإنما تقصف وتتدخل في مناطق الآخرين. هذا ليس دفاعاً، وما يقوم به الطيران السعودي ليس دفاعاً عن أرض بقدر ما هو تدخل سافر وتعدّ واضح على الآخرين.
نعم هناك بعض الدول العربية الغبيّة التي تكشف عوراتها أمام اسرائيل، تحرّض السعودية للمضي في المعارك وقتل المدنيين.


ولكن الله أوقع آل سعود في شر أعمالهم. على صعيد الإعلام بدت السعودية ذات الإمبراطورية الضخمة عاجزة عن مواجهة الخطاب السياسي الرصين للحوثيين، الذي يدعو الى حل سلمي، والى حوار.. وكان يدعم خطاباته بأرقام لا مبالغة فيها، وبصور ومقاطع فيديو يثبتون فيه مدعياتهم، وهي مقاطع فرضت نفسها على الإعلام العربي والعالمي، بل فرضت نفسها على فضائية العربية، وعلى منتديات الإنترنت الموالية لآل سعود، وهي في معظمها وهابية ونجدية (مثل منتدى الليبرالية النجدية الطائفية العمياء، ومنتدى الساحات وغيرها).


ويمكن متابعة العربية ليكتشف الدجل السعودي بسهولة، والأخطاء الفاضحة التي تكشف عن هزال الإعلام السعودي الحربي، المتأخر، والذي يميل الى التعتيم.
الصحف السعودية تتحدث عن أن كل متسلل حوثي. وللعلم فإن أكثر من ثلاثين ألفاً قبل واقعة الدخان بأسبوعين تسللوا الى السعودية حسب البيانات الرسمية، فهل هؤلاء حوثيون، وماذا يصنع الحوثي في السعودية. هل سمعتم أنه فجر نفسه، أو
اعتدى على أحد، أو سيطر على منطقة، أو ما أشبه؟! ويبالغ الإعلام السعودي ـ كما رفيقه الإعلام اليمني ـ في عدد القتلىالحوثيين حتى وصولوا بالآلاف والأسرى بالمئات، ما يخرج الموضوع عن (زمرة متمردة).


والإعلام السعودي في مبالغاته وصل الى حد مخالفة الذوق، كقوله أنه رصد أحاديث باللغة الفارسية! بين الحوثيين
والإيرانيين، أو كالقول ـ كما صحافة آل سعود اليوم الثلاثاء ـ بان الحوثيين يستخدمون القرود في المعارك الأمامية، كما الأغنام!!


هذا عدا أن الإعلام السعودي وقع في مصيدة استسخاف قوة الخصم، والإيحاء بأنه خلال ساعة سيقضى عليه،
بل ويشوى جلده، ويحرق، ويدمّر. دعك من الأوصاف التي يطلقها الاعلام السعودي والتي تحوي كما هائلاً من الروحى الطائفية والشوفينية العنصرية والتحقير الذي لا يليق استخدامه ضد أي كائن بشري. هذا التقليل من أهمية الخصم، أوقع المصفقين لآل سعود في مأزق، فكيف بفئة متمردة صغيرة تقف أمام جيش آل سعود وأمام الجيش اليمني معاً؟!
لقد استطاعت السعودية وحكومة اليمن من محاربة الحوثيين على مواقعهم على الإنترنت، واحتل الهاكرز الوهابي موقع صعدة أون لاين وقبل ذلك بيوم تم الإستيلاء على موقع للحوثيين على اليوتيوب، وهذا يبين أن امبراطورية الشر
الإعلامية السعودية غير فاعلة في المعركة، لأنها امبراطورية قامت على الكذب والإعتداء والدجل واشعال الفتن الطائفية.
وفي هذا السياق يمكن القول أيضاً بأن موقع جازان، وجازان نيوز، واللتان كانتا في أيام المواجهة الأولى تنشر أخباراً خاصة من المواطنين في جازان، أصبحتا بوقاً للنظام السعودي، ولم يعد يحتويان على شيء ذي فائدة غير التهديد بالقتل
والذبح والحرق للحوثيين وشتمهم طائفياً وغير ذلك مما هو معهود من سدنة الوهابية، ما جعل المواطنين يبحثون عن المواقع الأخرى، بل ويشاركون في المنتديات اليمنية نفسها. والغريب، أن وزارة الداخلية السعودية بالتعاضد مع
الأمن اليمني، قد دفعا بأتباعهم خفافيش الإنترنت ليشاركوا في حفلات الشتائم والتهديد والمغالاة في الإنتصارات العسكرية التي يحققها السعوديون، ولكن ـ كما هي عادة النجديين أتباع الوهابية ـ لا يكادوا يدخلون موقعاً إلا ويستفزون
اليمنيين فيه، المؤيد أو المحايد، بسبب اطلاقهم صفات التكفير على اليمنيين، وإبداء روح الإستعلاء عليهم وكيف أنهم يعيشون من خيرات السعودية، الى حد أن البعض غيّر توجهه السياسي، فكان مخبرو آل سعود خير وسيلة لكي يصطف المزيد من اليمنيين الى جانب الحوثيين وضد حكم شاويش صنعاء.
لذا يمكن القول بأن المعركة السياسية والإعلامية والعسكرية قد كسب جولتها الأولى الحوثيون الذين يدافعون عن أرضهم وأهليهم.


http://www.almenpar.org/news.php?action=view&id=1757

26 أكتوبر 2009

من اجل الله ... كفى !

لا ظلم اشد من ظلم الانسان لنفسه !
لا سجن اضيق من الذي اختاره المرء بنفسه!
لا عدل في الارض ما لم نصبح تراب غرسته !

سقطت اقنعتنا ياسادة ... كلنا يضمر ما اظهره فرعون في قوله انا ربكم الاعلى .
نعبد اله الاستهلاك ونرتل آيات الدجال ليل نهار في الاسواق والدوائر والمعامل والمصانع، وننسب انفسنا كفراً وزوراً وجهلاً لرب لا نعرفه .

لاديان لا تشبهنا ..

لا تعرفنا ..

لا تمت الى غليظ قلوبنا وافعالنا بصلة .
اديان :لا تقتل ..لا تسرق .. لا تزني ..احب لاخاك ماتحب لنفسك .. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء .

دخلنا في صحراء التيه، يظلمنا ويسرقنا ويقتلنا من نتوهم جبناً انه فوقنا ، ونظلم ونسرق ونقتل من نستكبر ونظنهم تحتنا .

ندعو على الظالمين ليل نهار ؟ وفينا استجابة الدعاء !

على انفسنا نستعدى رب الارض والسماء.

ياحضرات اخواني الطواغيت الصغار : اما آن الآوان لنتوقف عن ظلم نظرائنا في الخلق واخواننا في الدين ؟.

ياحضرات اخواني المتجبرين الصغار: نكاد ان نحرم من مطر السماء، وماتجود به الارض من ماء، واقفلنا بجهلنا ابواب الدعاء، وليس بيننا وبين الموتى من فرق ..الا سترتهم وفضيحتنا .. اما آن الآوان للاستيقاظ ؟.

ارسل الله فينا موسى وعيسى ومحمد، لنسير في الناس بسيرة موسى وعيسى ومحمد، مابالنا ننسب اليهم وليس فينا الا فرعون وهامان، يهوذا وابو سفيان ؟.

تراها سارت مراكبهم فصعدنا فيها طمعاً ؟.
او قامت رايتهم فدخلنا تحتها خوفاً؟!

او طالت غيبتنا عنهم فتعبدنا لله بقشور ديانتهم ؟!!.
اهذا مانحن عليه ؟!
منافقين، كذابين، جبناء، غشاشين، اشداء على بني جلدتنا، اذلاء على المعتدين ؟!
هذه خير امة اخرجت للناس ؟
هذه امة خير الانبياء ؟
عفوك عفوك عفوك ياالله

ياحضرات حكام المرحلة التاريخية الاكثر سؤاً في مصر .
ياحضرات قتلة الانبياء والاولياء والصالحين في شوارع العراق .
ياحضرات الانذال في قصر نمرود اليمن .
يا حضرات المجرمين الصغار في سرايات الحكم في لبنان .
ياحضرات النكتة المرة الجاثمة على صدر فلسطين .
ياحضرات اخوة قارون في قصور الخليج، ياصانعي بغايا السلاح والاقلام والالسنة.
ياحضرات اشباه الرجال المغتصبين للحكم في كل مكان.
ياحضرات التجار الغشاشين.
ياحضرات العاملين في مهن لا تتقنون صنعها .
ياحضرات المعلمين المتخصصين في قتل المواهب.
ياحضرات المعممين المنشغلين بلعق الاقفية وتقبيل الاحذية وبيع اعراضكم وكلام الله بابخس الاثمان.
ياحضرات الامهات المنصرفات عن تربية اولادهن على العزة الى اسخف الهوايات.
ياحضرات الآباء المراهقين .. انجبتم شهوة وضيعتم امة.
ياكاتب هذه السطور وقارئها ...
خافوا من الله واسعوا في منفعة عياله ... تهابكم الخلائق وتطيعكم الاقدار والمصائر.
استغفر الله
استغفر الله
استغفر الله
واستغفر عائلات الضحايا في مصر والعراق واليمن والصومال وكل بلاد المستضعفين في الارض .

يا ربي، اذا تكرمت باطالة عمري، وفقني لما يشرفني بين اخواني يوم العرض عليك.
واذا تلطفت وامرت بغير ذلك، اسألك بحرمة محمد وآله المظلومين ان لا تفضحني بسجل يعرض فيه خذلان مظلوم او نصرة ظالم او تغافل عن اقامة العدل في ارضك.
اللهم اني اعوذ بك من النفاق والكذب وكثرة الجدل وقلة العمل وانتقاد الظالمين والتشبه بهم، ومدح الصالحين والاعراض عن سيرتهم .
اللهم اني اعوذ بك من شر نفسي.
اللهم لا عدو لي اخافه الآن الا نفسي .. فانصرني عليها ياارحم الراحمين.
الهي لا تكلني اليها طرفة عين ابداً .
يا ربي .. يا الله .

13 أكتوبر 2009

ياربي وسيدي ومولاي !

أَللَّهُمَّ إنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ خِلاَلٌ ثَلاثٌ وَتَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ بِهِ فَأَبْطَأتُ عَنْهُ، وَنَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إلَيْهِ، وَنِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فَقَصَّـرْتُ فِي شُكْرِهَـا. وَيَحْدُونِي عَلَى مَسْأَلَتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَى مَنْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَيْكَ، وَوَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّـهِ إلَيْكَ ، إذْ جَمِيعُ إحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ، وَإذْ كُلُّ نِعَمِكَ ابْتِدَاءٌ.
فَهَا أَنَا ذَا يَا إلهِي وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ وُقُوفَ المُسْتَسْلِمِ الذَّلِيْل، وَسَائِلُكَ عَلَى الْحَيَاءِ مِنّي سُؤَالَ الْبَائِسِ الْمُعِيْلِ. مُقـرٌّ لَكَ بأَنّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَقْتَ إحْسَانِـكَ إلاَّ بِالاِقْلاَعِ عَنْ عِصْيَانِكَ، وَلَمْ أَخْلُ فِي الْحَالاتِ كُلِّهَا مِنِ امْتِنَانِكَ. فَهَلْ يَنْفَعُنِي يَا إلهِي إقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا اكْتَسَبْتُ؟ وَهَلْ يُنْجِيْنِي مِنْكَ اعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيْحِ مَا ارْتَكَبْتُ؟ أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هَذَا سُخْطَكَ؟ أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتِ دُعَائِي مَقْتُكَ؟
سُبْحَانَكَ! لاَ أَيْأَسُ مِنْكَ وَقَدْ فَتَحْتَ لِيَ بَابَ التَّوْبَةِ إلَيْكَ، بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ وَأَدْبَرَتْ أَيّامُهُ فَوَلَّتْ. حَتَّى إذَا رَأى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ وَغَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ مِنْكَ ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ. تَلَقَّاكَ بِالإنَابَةِ ، وَأَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ ، فَقَامَ إلَيْكَ بِقَلْبٍ طَاهٍر نَقِيٍّ ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ ، قَدْ تَطَأطَأَ لَكَ فَانْحَنى، وَنَكَّسَ رَأسَهُ فَانْثَنَى ، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُه خَدَّيْهِ .
يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَا أَرْحَمَ مَنِ انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ، وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ ، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أكْثَرُ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجاوُزِ ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبادَهُ قَبُولَ الإنَابَةِِ ، وَيَا مَنِ اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسيرِ، وَيَا مَنْ كَافَأَ قَلِيْلَهُمْ بِالْكَثِيرِ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إجَابَةَ الدُّعاءِ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزاءِ، مَا أَنَا بِأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَمِ مَنِ اعْتَذَرَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَمِ مَنْ تَابَ إلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ.

10 أكتوبر 2009

لهذا قتلتموه ؟!! حسبي الله ونعم الوكيل

لا تدخل الشركات الأمريكية بلداً إلا وتنهب ثرواته، إلا وتستذل أهله، لا يدخل الأمريكيون بلداً إلا ويستذلون أهله. لكن بأي طريقة؟ عن طريق الخداع لحكوماتهم ولشعوبهم، تبريرات يصنعونها، ونصدقها بسرعة، ونوصلها إلى بعضنا بعض، نوصلها بشكل من يريد أن يقبل منه الآخر ما يقول، أي نحاول أن نقنع الآخرين بهذا المبرر، هذا ما يحصل، تتحرك أنت لتقنع الآخر بالتبرير! لكن من حيث المبدأ ليس هناك أي مبرر لوجودهم، أليس هذا هو الأصل؟ فكل المبررات هي فرع على أصل فاسد، إذا كان في الواقع ليس هناك أي مبرر لوجودهم, فأي مبرر لأي عمل يعملونه, أو يصطنعونه لوجودهم فهو فرع على أصل فاسد، نحن على يقين منه.
ومن هو اليمني؟.من اليمنيين؟ أي مواطن يرى أو يعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك مبرر لتواجد الأمريكيين؟. هل نحن شعب صغير كالبحرين مثلاً؟ أم أن اليمن نحو ستة عشر مليوناً. وليس اليمن في حرب مع دولة أخرى فيأتي الأمريكيون ليساعدونا بناءً على اتفاقيات بين الدولتين.
إذاً جاءوا ليستذلوا اليمنيين، جاءوا ليضربوا اليمنيين، جاءوا ليقولوا: [هذا إرهابي، وهذه المدرسة إرهابية، وهذا المسجد إرهابي، وهذا الشخص إرهابي، وتلك المنارة إرهابية، وتلك العجوز إرهابية]. وهكذا لا تتوقف كلمة [إرهاب] .
لاحظوا، كيف الخداع واضح، القاعدة - التي يسمونها القاعدة - تنظيم أسامة بن لادن، ألست الآن - من خلال ما تسمع - يصورون لك أن القاعدة هذه انتشرت من أفغانستان وأصبحت تصل إلى كل منطقة، قالوا:[إيران فيها ناس من القاعدة، والصومال قد فيها ناس من تنظيم القاعدة، واليمن احتمال أن قد فيه ناس من تنظيم القاعدة, والسعودية قد فيها ناس من تنظيم القاعدة، وهكذا]. من أين يمكن أن يصل هؤلاء؟ أليس الأمريكيون مهيمنين على أفغانستان؟ وعن أي طريق يمكن لهؤلاء أن يصلوا إلى اليمن, أو يصلوا إلى السعودية, أو إلى أي مناطق أخرى؟ دون علم الأمريكيين؟.
هذا كما يقال: [قميص عثمان][أنتم في قريتكم واحد من القاعدة، تربى في بيتكم واحد من تنظيم القاعدة] وهكذا يصلون بتنظيم القاعدة هذا إلى كل منطقة. وقالوا: [إيران فيه تسعة عشر شخصاً هم من تنظيم القاعدة. إذاً إيران تدعم الإرهاب]، قد يكونوا هم يعملون على ترحيل أشخاص وتمويلهم ليسافروا إلى أي منطقة ليصنعوا مبرراً من خلال وجودهم فيها،[أن هناك في بلادكم من تنظيم القاعدة، إذاً أنتم إرهابيون] على قاعدة{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(المائدة: من الآية51) فما دام في بلادك واحد من تنظيم القاعدة فإذاً كلكم إرهابيون.
أليس هذا خداع؟ أوليس هذا خداع تتناوله أيضاً وسائل الإعلام، الصحفيون، الإخباريون، محطات التلفزيون التي تتسابق وتتسارع إلى أي خبر دون أن تفكر في أنه قد يكون خدعة هي تعمل على نشره.
الأخبار قضية مهمة، الله أمر المسلمين أن يكونوا حكماء في أخبارهم, وفي نقل أخبارهم, ووبّخهم واعتبرها خصلة سيئة فيهم:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}(النساء: من الآية83) أذاعوا, أخبار، [قالوا يريدون قالوا.. قالوا.. وقالوا..إلى آخره]. {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء: من الآية83).
إذاً يجب أن يكون للمواطنين موقف باعتبارهم مسلمين وأولئك يهود وصليبيين دخلوا بلادهم، وأن يكون للعلماء موقف، وأن يكون للدولة موقف، وأن يكون للجميع موقف،هو ما يمليه عليهم دينهم ووطنيتهم. وأولئك الذين يقولون: ماذا يعني أن ترفعوا هذا الشعار:[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]؟.
قل: إذاً وصل الأمريكيون، إذاً أرنا ماذا تعمل أنت؟ ألم يأن لك أن ترفع هذا الشعار؟ وإذا كنت ستلزم الحكمة التي تراها أنت السكوت الذي هو من ذهب، فمتى سيتكلم الناس؟ ومتى سيصرخ الناس؟ ومتى سيقف الناس؟. هل بعد أن يستذلوهم، وأن يضرب الله عليهم أيضاً من عنده الذلة والمسكنة؟ حينها يرى كل يمني ما يؤلمه ولا يستطيع أن يقول شيئاً.
--------

------------------

------------------------

إذاً نقول لأولئك الذين يقولون أو سيقولون كما قالوا في الماضي: أسكتوا. أو يقولون: لا مبرر لهذا. أو لماذا تتفاعلون هكذا؟ نقول: أنتم برروا لنا سكوتكم من أي منطلق هو؟ هل أنه على أساسٍ من كتاب الله سبحانه وتعالى؟؟ فأنتم تخاطبوننا باسم القرآن؟ أن القرآن فهمتم منه هو أن نسكت فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟. أم أنكم تريدون أن نسكت لأن السكوت سيكون فيه سلامتنا أمام أعداءنا؟.
إذاً سنسكت ولكن أنتم انطلقوا وأخرجوهم من اليمن، جربوا أنفسكم، جربوا السكوت جربوا الحكمة. هل تستطيعون بسكوتكم أن تعملوا على إخراجهم من اليمن؟. لا. إذاً فعندما تقولون لنا: أن نسكت، نحن لا نرى أي مبرر للسكوت أبداً إلا قولكم بأننا قد نثيرهم علينا. هم أساساً مستثارون من يوم هم أطفال في مدنهم وقراهم، ثقافتهم، تربيتهم كلها قائمة ضدنا نحن المسلمين، ضد العرب، فهو من أصله بثقافته بتربيته، هو مستثار ضدك لا يحتاج إليَ أن أستثيره من جديد.
هل اليمنيون أثاروا الأمريكيين أن يأتوا؟ ماذا عمل اليمنيون؟ هل عملوا شيئاً يستثير الأمريكيين أن يأتوا؟ أم أن اليمنيين هم من قدموا الجميل للأمريكيين يوم انطلقوا استجابة لدعوة [الزنداني] وأمثاله الذين خدعوا كثيراً من شباب اليمن أن ينطلقوا للجهاد في سبيل الله في أفغانستان لجهاد الشيوعية والرئيس قالها: [بأن ذلك كان بأمرٍ من أمريكا] أليس يعني أن ذلك كان خدمة لأمريكا؟ إذاً لماذا أمريكا تعتبر تلك الخدمة أنها ماذا؟ أنها عمل إرهابي، أنه إذاً أنتم منكم إرهابيون، وأنتم كنتم تَدَعُون الإرهابيين يتحركون.
هم من أمروا، وعملاؤهم من نفذوا، وأولئك الشباب المساكين هم من خُدعوا، وقد يكون بعضهم انطلق على أساس ـ فعلاً ــ الجهاد في سبيل الله في أفغانستان، وأفغانستان في مواجهة الشيوعية، نقول لهم: لكن انظروا اتضحت الأمور فيما بعد أن ذلك كان بتوجيه من الأمريكيين، إذاً فهو خدمة للأمريكيين من جهة. أليس كذلك؟. فما بال الأمريكيين الآن يعدون تلك الخدمة، يعدونها إساءة، يعدون ذلك الجميل إساءة؟!. ماذا يعني هذا؟.

من خطاب للشهيد حسين بدر الدين الحوثي يندد فيها بالدخول الامريكي الى اليمن .

8 أكتوبر 2009

اليمن : حرب ضد اضعف الايمان

فكرت وترددت طويلاً قبل ان اكتب عن المسألة اليمنية، ومرت خمس حملات عسكرية عنيفة وهمجية ضد المواطنيين اليمنيين وانا اقضم اصابعي التي كانت تبدأ بالكتابة ثم تمحو ماكتبت توخياً لتهدئة النفوس وطمعاً بحل يحقن الدماء الطاهرة.
واعترف اني خدعت كما خدع الشهيد الاسير حسين الحوثي بالرئيس اليمني وتصريحاته "العروبية"، وظننت ان مايحدث ليس الا سحابة صيف سرعان ماتتبدد بفضل جهود العقلاء والحكماء في اليمن ومااكثرهم ... كما ظننت.

في البداية استغفر الله على صمتي، واعتذر الى الدماء الزاكية التي سفكت بدون ان يندبها لسان او يرثيها قلم فقط لانها صرخت : (الموت لامريكا ... الموت لاسرائيل) .
دماء اهلنا في لبنان وفلسطين والعراق استصرختهم ... فلبوها بنداء هو اضعف الايمان في رفض المنكر .


وبرغم الاعتقالات والتعذيب والقتل في الشوارع والسجون، لم يقبل احداً من هؤلاء الاحرار ان يشتري سلامته بالصمت على مايحدث في اوطان تبعد عنه الآف الكيلومترات.
غير آبهين بشيء ... ولا نادمين على شيء، تمرد من يعجز اللسان عن وصف شهامتهم على مؤامرة الصمت، واكتسبوا عن جدراة واقتدار لقب المتمردين الحوثيين.

واشهد انهم احكم واشجع وانبل وارحم مقاتلين رأيتهم في حياتي، وان قيادتهم السابقة والحالية من طراز الرعيل الاول من قادة المسلمين علماً ولطفاً وحزماً وبأساً ودراية.
ولكي لا يكون الحديث عاماً خذ عندك :
- يقتل اللئيم المدنيين من اهلهم تحت التعذيب فيردون بالمبالغة في اكرام جنوده الاسرى، ويطلقونهم بعد اكرامهم بلا ثمن ولا منة.
- يقصف اللئيم مدنهم وقراهم ويهجر مواطنيه الى مخيمات اللجؤ في العراء، فيردون بتحييد المدنيين كل المدنيين من ويلات الحروب ... من عادهم ومن والاهم.
- يستخدم اللئيم كل ادوات القتل واكثرهاً بطشاً من المدفعية الى الصواريخ الى الطيران ضد الآمنين من شعبه ومواطنيه، فيردون باستخدام الحد الادنى من ترسانتهم ضد المهاجمين المثقلين بالسلاح والكراهية والجهل.
- يحتل اللئيم بيوت الناس ومزارعهم ومدراسهم ويحولها الى ثكنات تعتدي على جوارها بالحديد والنار، ويردها هؤلاء باللحم الحي الى اصحابها خالية من كل سؤ.
- يسرق اللئيم اقوات الناس واسباب حياتهم ويحرق مالا يستطيع حيازته، ويشطر هؤلاء اقواتهم المنتزعة من خلف اسوار الحصار الجائر ويوزعونها على ندرتها بين اسراهم وفقراءهم وايتامهم .
- يستعدي عليهم اللئيم كل طواغيت العالم ويستعين باسلحتهم واموالهم ومرتزقتهم لاستئصال اكرم مواطنيه واشرفهم، ويجاهر هؤلاء باستنصار المولى عز وجل وحده بلا شريك ولا يستوحشون من قلتهم وتكالب الطواغيت عليهم.
- يمتهن اللئيم الكذب ويستنسخ دعاية اسرائيل وفجورها الاعلامي في حروبها ضد امتنا، ويتمذهبون بالصدق لا يخرجون عنه لا حيث ينفعهم ولا حيث يضرهم.
- يسارع اللئيم الى حروب تقوض الدولة التي يحكمها وينهب مواردها، ويسارعون الى قبول اي اتفاق يضع حداً لسفك الدماء ولو كان على حساب حريتهم وحقهم الآلهي في العيش بكرامة حيث يريدون.

في حرب ظالمة تشن على "متمردين" كهؤلاء، جريمتهم الصراخ ضد امريكا واسرائيل.
وبين نظام يحارب اهله بكل هذا الفجور والسفاهة، لا يبقى مجال للحياد او التردد.
انا اتشرف بالانحياز للسيد عبدالملك الحوثي وانصاره .


نموذج عن فجور النظام وشهادة منظمة العفو الدولية :

اليمـن : إبراهيم السياني، العمر 14 عاماً
تساور منظمة العفو الدولية بواعث قلق بسبب ما ورد من أنباء عن احتجاز إبراهيم السياني، البالغ من العمر 14عاماً، بمعزل عن العالم الخارجي منذ مايو/أيار، واحتمال أن يكون معرضاً لخطر التعذيب وإساءة المعاملة. وبحسب ما ورد، فقد لحقت به إصابات تتطلب العناية الطبية.
وقد اعتقل إبراهيم السياني، وفقاً لما ورد من تقارير، في 8 مايو/أيار إثر مداهمة قوات الأمن لمنـزل عائلته في العاصمة، صنعاء. ويعتقد أنه محتجز في سجن الأمن السياسي في صنعاء، وربما يكون من سجناء الرأي ومحتجز لا لشيء إلا لانتمائه لطائفة الزيدية، التي اصطدم أفراد ينتمون إليها مع السلطات في الآونة الأخيرة.
ومع أن حسبما ورد أن ابراهيم السياني لم يشارك في هذه المصادمات بصورة مباشرة، ، إلا أنه أصيب بشظية أثناء المصادمات في صعدة، بشمالي اليمن، حسب ما ذُكر، بين قوات الحكومة وأتباع حسين بدر الدين الحوثي، وهو من رجال الدين التابعين لطائفة الزيدية. ويقال إن ذراعه اليمنى قد بترت، وأن قطعةً من الشظية قد استقرت في جمجمته، بينما لحقت إصابة أخرى بساقه اليمنى. كما يقال إنه أصبح الآن يعتمد على عائلته بصورة تامة في قضاء حاجاته اليومية.
وبحسب ما ذُكر، فقد حث عدد من المنظمات غير الحكومية وأفراد عائلته الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، على التدخل في قضيته.
خلفية
تصاعد التوتر بين الحكومة وبين رجل الدين حسين بدر الدين الحوثي، الذي ينتمي إلى طائفة الزيدية، منذ غزو الولايات المتحدة للعراق في 2003. فقد احتجز المئات من أتباعه كل أسبوع بسبب إطلاقهم هتافات مناهضة لأمريكا وإسرائيل بعد صلاة الجمعة. وبدأت الاشتباكات الحالية في أعقاب طلب الحكومة من بدر الدين الحوثي تسليم نفسه إلى قوات الأمن، ورفضه الانصياع لذلك.
ولم يعرف بعد على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين قتلتهم قوات الأمن أو اعتقلتهم منذ العام الماضي. وفي 3 يوليو/تموز 2004، أبلغ وزير الداخلية البرلمان، بحسب ما ورد، أن عدد من قتلوا بلغ 118شخصاً. وذكرت مصادر أخرى أن عدد القتلى، وبينهم نساء وأطفال، ربما يصل إلى 500شخص. وقد نجمت معظم الوفيات، طبقاً لما قيل، عن استخدام قوات الأمن الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر العسكرية. ويقال إن إحدى الحوامات العسكرية هاجمت أهدافاً مدنية، ما أودى بحياة عدد من الأشخاص. وتخشى منظمة العفو الدولية أن العديد ممن قتلوا، وربما معظمهم، قد ذهبوا ضحية عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، أو نتيجة استخدام القوة المفرطة من قبل قوات الأمن.

http://www.amnesty.org/ar/library/asset/MDE31/010/2005/ar/68f4299c-d4d4-11dd-8a23-d58a49c0d652/mde310102005ar.html

4 سبتمبر 2009

لا حول ولا قوة الا بالله !

بيان ظهر ببساطة على وسائل الاعلام يتبنى تفجيرات بين الفلسطينيين حدثت في قطاع غزة المحاصر... يقول :

"استجابة لتوجيهات الهيئة الشرعية في تلقين حركة الكفر والردة حركة حماس وجهاز الأمن الداخلي التابع لها درساً نؤكد من خلاله أن مصائر مجاهدينا لا تتحكم فيها حركات كافرة». ودعا البيان «كافة إخوة الجهاد والمقاومة المخلصين إلى الاتحاد والتخطيط لتنفيذ عمليات مشتركة مؤثرة وموجعة ضد الكفرة المرتدين في حماس حتى نضع حداً لحكم المفسدين» .

الى هنا انتهى بيان "اسود التوحيد" و "فهود التنزيه" و"صقور الاحدية" و "نسور الصمدية" و"نمور السنة الجهادية" و "الدواب التي تحمل اسفاراً".

اسأل الله ان يمتع بجوار هؤلاء المجرمين كل من هلل لجرائمهم في بلدان اخرى ...

ومن سكت او يسكت عن جرائمهم بحق الانسانية اينما حدثت...

20 أغسطس 2009

انت الحكم على سيرة حاكم !

لنفترض ان القصة التالية وجدت منحوتة على قبر في برية من براري العالم العربي :

" ملكت ناصية القدرة، وحكمت كائنات الله الحية،
وخضعت لارادتي مصائرهم، فلم يطالبني بشيء احداً منهم،
خرست السنتهم امامي، وعجزت قدرتهم عن ايذائي،
ومضيت الى آخرتي اسأل :
هل حكمت بالعدل ؟ هل حكمت بالعدل ؟.
ياعابر قبري، اقرأ سيرتي واحكم ...

- بنيت لرعيتي بيدي، ومساعدة القادر منهم، مساكن تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء.
- وبنيت لهم سوراً يقيهم بطش الاعداء.
-ودربت منهم جنوداً، يدفعون عنهم اذى الطامعين.
- ووفرت لهم الغذاء، وخزنت منه مايكفيهم لشهور تحسباً لاي طاريء.
- واقمت مساكنهم قرب غدير ماء، حميت منبعه من التلويث والمنع، ومصبه من الفيضان والفساد، وممراته من الهدر والتخريب.
- وزوجت القادر منهم، فور ظهور قدرته. واشرفت على تأسيس اسرته، من الحمل حتى الولادة.
- وفرت لرعيتي العناية الطبية، من الوقاية الى العلاج .
- جبيت من انتاجهم مالا يؤذي رأسمالهم، وصرفته فيما يفيدني ويفيدهم، وادخرت منه مايكفى لتوسيع مساكنهم وزيادة اعدادهم .
- عاقبت المسيء بضربة عصى خفيفة ورمية حجر منذرة، ولم ينالهم مني اذى هدفه التشفي او التجبر، ولم اقتل منهم الا من كان قتله رحمة له او حياة لمجتمعه ... خاضعاُ في ذلك لشريعة مكتوبة وعرف سار عليه الناس منذ آدم عليه السلام.
- لم يبت تحت حكمي جائع .
- لم ينام في العراء تحت ولايتي احد ... الا من اختار ذلك .
- لم يفتقد مريض لدواء او عناية طبية عند حاجته لهما ، ولم يدفع مقابلهما الا ماسبق له دفعه من خدمة لمجتمعه.
- لم يروع رعيتي غازي، ولم يفتك بهم ضاري.

انا الراحل الى رحمة الله اسألك :
هل حكمت رعيتي بالعدل ؟!.
-
-
-
-
-
-
-
-
-
-

ملاحظة : هذه سيرة صاحب مزرعة للحيوانات... عاش قبل ولادة السيد المسيح (ع) بمائة عام .

14 أغسطس 2009

المقاومــون يســتعدون لأكثــر مــن ردع العــدوان !

I موعد لمن يشبه توما: يرى بإصبعه

السفير/نصري الصايغ

قلت لها: هل يسمح لي بأن أعيش فترة من الزمن، مع المقاتلين في الجنوب، فأتعرف إليهم كبشر حقيقيين، كأناس ينتمون إلينا وننتمي إليهم؟ وانتظرت الجواب أياماً واسابيع، ما بين الخامس والعشرين من أيار وبداية شهر تموز. كدت أنسى الطلب، ولم تغب عني الرغبة، ظلت تلح عليَّ: «يجب ان تعيش معهم كي تعرفهم. يجب ان تنام معهم وبينهم في أماكن اقاماتهم المجهولة. عليك ان تتوقل معهم الأماكن الصعبة. لا بأس ببعض التعب. ارادتي ستتغلب على عمري الستيني، ووزني التسعيني. لقد علمك توما الرسول ان تضع اصبعك في جرح المسيح، كي تصدق. ودرست على أندريه جيد: لا يفيدني ان تقولوا لي ان رمال الشاطئ ساخنة، عليَّ ان أتحسسها بباطن قدمي».
انتظرت الجواب حتى جاءني الرسول: «حَدِّدْ موعداً. الشباب ناطرينك»، فاستحققتها. الرغبات لا تشبه الامكانات، والانفعالات لا تتوازى مع تحضير النفس، لمشقة الانتقال من راحة البيت، والمكتب المكيَّف، الى جبال ووديان وأماكن... طلب مني ان أراها بعينين مغمضتين. أي: انظرْ وانسَ. ما رأيته هنا، دفن هنا.
في الموعد المحدد، كنت في طريقي الى الجنوب: لا عنوان. لا أشخاص. فقط موعد اللقاء واضح. وما تبقى: «على الاخوان». هم سيتعرفون إليَّ، وسيرشدونني إلى حيث «متعة المشقات النبيلة».

II لا أعرف أحداً: رجال بلا أسماء

عرفاني عندما شاهداني أتمشى في باحة. سلامات وكلمات قليلة، وبسرعة هادئة، انتقلت معهما الى حيث يريدان. كلام قليل. ابتسامات غير مفرطة، وطرق عادية تؤدي الى منزل غير مستقر. نترجل وندخل. نسلم على الاخوان في المنزل ونقتعد الأرض.

حتى الآن، لا كلام. لا أعرف من هما. هل هما مرافقان لي اوصلاني الى مكان الانطلاق؟ كيف أتعرف اليهما؟ الاسماء ممنوعة من التداول، فاخترعت اسمين حقيقيين لهما، وهما من تراث البلد هناك: هذا «الحج» والآخر «سيد». وهكذا سارت الأمور حتى اليوم الأخير: يا حج! يا سيد! ويا أستاذ.
طريقة للتعارف كي لا تعرف شيئاً عنهما.

امتدت سفرة الترويقة أرضاً. امتحان صعب على من اعتاد تناول الطعام جلوساً منضبطاً على كرسي. حاولت الاقتراب من صحن اللبنة، ففشلت. كدت أقع على جنبي. اشتلقا عليَّ: صحن خاص للأستاذ. وسارت الترويقة مسراها غير الطبيعي، مع الشاي. ومن خلال توافد «الاخوان» من مهماتهم، عرفت انني بصحبة مسؤولين. طريقة المخاطبة، وكيفية الاستماع، ارشدتاني الى انني استطيع فتح باب الأسئلة:

ـ إلى أين؟

ابتسمنا جميعاً، لما لـ«إلى أين» من وقع خاص، فهي ماركة مسجلة في السياسة، أكثر مما هي دلالة في الجغرافيا. نهضنا: لا خلوي. لا كاميرا. لا آلة تسجل، ولا... لكن أين اضع ثيابي الداخلية وأوراقي. وُضعت في سيارة وانتقلنا بسيارة أخرى. لعلها من ذوات الدفع الرباعي. لفتني توزيع ثلاث قبعات سوداء جداً جداً، وثلاث نظارات سوداء بشدة. أشرت الى قبعتي «مشغرة قلب القمر»، ابتسما وقالا: سنحتاج الى هذه.

لا شرح. الاقتضاب هو الجواب.

قلت في نفسي: استفهم بعينيك، لا بلسانك. انظر. راقب. تطلع. بقبش. وكِّد. لاحظ. ارصد. واتكل على حدس الاستنتاج، لأن اللغة حتى الآن ممتنعة.

III القط الأعمى

من دون ان تتوقف السيارة، اشار اليَّ «السيد» الى مكان على منعطف: هنا تلة مسعود. السيارة تمضي مسرعة. لم يتح لي ان ارى لا تلة ولا مسعوداً. قلت في نفسي: حتى الرؤية غير ممكنة؟ تململت من مكاني وسألت: وماذا في تلة مسعود؟ قال: اشتباك مع وحدة استخبارات من قوة ميغران. قام الشهيد «الدوري» بتطهير البيت. جاءه الأمر، وهو القادم من حولا سيراً على الأقدام، كي يقاتل في بنت جبيل. واستطاع «الدوري» ان يطهر البيت، ويقتل من فيه. وقد كانت القوة المرابطة من فريق الاستخبارات.

عرفت أهمية تلة مسعود، عندما اشرفنا عليها من بعيد ومن فوق. كانت بوابة الدخول للمدرعات، ولما سقطت تلة مسعود، اغار الطيران الإسرائيلي عليها، ودمر المنزل بما فيه من أجهزة الكترونية متطورة.

قلت في نفسي: معركة لا تروي غليلاً. فهذا قليل هام، من كثير عظيم الأهمية، الى حد الأسطورة، انما، كيف أصل إليه؟

وبعد لف ودوران، بين طرقات اسفلتية طبيعية، وطرقات شبه اسفلتية، لا يسلكها الا «الاخوان»، ومعابر ضيقة، وطرقات من حجر وغبار، مسيجة احيانا بكثير من الاغصان المتدلية والاشواك الحشرية، طلب مني «السيد» ان أضع القبعة والنظارات السود، فقد بتنا على بعد امتار قليلة من مواقع الإسرائيليين المواجهة على طول الخط الأزرق.

ولأني ألبس نظارات طبية، فيها درجات حرزانة من «الميوبي» و«البريزبيسي»، و«الستيكماسي»، فقد قلَّت الرؤية، وصرت شبيها «بالبسين الأعمى». بالكاد أرى قدامي وحولي.

وبدأ «الحج» من الخلف يشرح و«السيد» يضيف. «الطاقية السوداء الكبيري والعوينات كي لا يعرفونا». هناك آلات تصوير: انظر الى هذا العمود. عين الكاميرا في رأسها. العمود بعيد جداً. انه على تلة داخل الأراضي المحتلة. أكد لي: صورتك الآن بهذا الشكل موجودة عندهم. صوروك وخلص. لكنهم لن يعرفوك. بسبب «الطاقية والعوينات السود».

فهمت وشكرت وصرت أترقب لحظة استطيع فيها ان اضع نظارتي الطبية لأرى، وبدأ الشرح:

IV العدو من أمامكم... ولا نخاف

هنا، نحن متواجدون على الخطوط الأمامية، حيث جرت أولى معارك حرب تموز. وبدأ يشير بيده الى المواقع القريبة والبعيدة. هنا، كان الاخوان، هذه مواقع كنا نرصد فيها العدو، اربعاً وعشرين ساعة على اربع وعشرين. نراهم بكامل تفاصيل تحركاتهم (قلت في نفسي: مبالغة! كيف يراقبون الإسرائيليين ليلاً. مش معقول).

نزلنا من السيارة. أحكمنا قبعاتنا الى الأمام. لم تعد الكاميرا تلتقط أي فسحة من وجوهنا.

هنا هرمون والتيارات. من هذا المكان موقع إسرائيلي متقدم، يشرف على عديد من القرى اللبنانية. وهو مجهز بكاميرات مراقبة دائمة. وهناك، ثكنة دوفيف (لأول مرة أرى ثكنة عسكرية لعدو)، وهذه الثكنة مقر لقيادة السرية من جهة منطقة هرمون لجهة الصدح. وتضم الثكنة ملالات وبوما (مدرعا) وناقلات جند.

وأشار الى جهة الغرب: سنقترب منها بعد حين. سنصل الى التخوم الملاصقة لبوابات العبور. نظرت من حولي، فدهشت. «ولا عرق اخضر» هنا. والثكنة هناك، ابنية مرصوصة، وفسحات واسعة، وأشجار باسقة، وطرقات ملتوية ومستقيمة، بعضها يبدأ من الناقورة ليصل الى بلدة سعسع، فيما الطرف اللبناني، غارق في سحنة من رمل وقبضات من صخور وأودية يكثر فيها الشوك وغبار الأيام المتروكة.

أعطيت ملاحظة للأخوين حول فداحة المنظر، الجواب مختصر: اسأل الدولة. تقدمنا الى مكان آخر. اقتربنا أكثر من الكاميرا. باتت فوقنا تقريباً. حاول «السيد» التقدم بضعة أمتار. نصحه «الحج»: «بلاها، هلق مناكل رشق. بلاها». عدنا ادراجنا، وتوقلنا الجبال. رحلة في ارض معلومة بتفاصيلها من قبلهما: «هنا امضينا عمراً. نحب هذا المكان» (قلت في نفسي: ما هذا المكان. ارض حفرا نفرا وخلفها تلال وأودية جرداء).

من بعيد، اشار لي الى موقع وثكنة زرعيت، وهي لجهة الغرب، وتضم كتيبة للدروز. وهي تمتد بفعل مسؤوليتها الى منطقة العرامشة (مستعمرة) والى منطقة هرمون. وفي المكان الذي اشرت اليه باصبعي قال: هذه ثكنة برانيت، مقر قيادة الفرقة الشمالية، قبل التحرير. وهو موقع لسرية عسكرية مؤللة تمتد من رميش لجهة تل شعر. وبعد قليل، وصلت الى جدار رميش. المنطقة، عن جد «حفرا نفرا»، نبت فيها العشب المجنون من كل جهة. قال الحج: «هنا كان يتم تجنيد العملاء. هنا طريق التهريب... وهنا كل الشرور أيضاً».

سألته: ماذا كان نصيب هذه المواقع في عدوان تموز؟

قال: قصفت بالكامل. انصبت عليها الصواريخ أكثر من مرة.

قلت: لكنها محصنة. الجنود لديهم حماية داخل مواقعهم. قد لا يتعرضون لأذى.

قال: الحرب ليست دائماً لقتل الجنود. هي لتعطيل فعاليتهم وقدراتهم القتالية.

فهمت وخرست. أنا مشغول بعدد القتلى، وهو منشغل بتعطيل آلة الحرب او عطبها او تأخير ديناميتها. هو يفهم بفن القتال. وأنا من قبيلة الثأر. خجلت.
الملاحظ، أننا كلما كنا نتوغل في الطرق الوعرة ونقترب من خطوط العدو، كانت تلحق بنا قوات الطوارئ الدولية. سلام ولا كلام. وأحيانا كانت دوريات الجيش اللبناني تراقبنا من بعيد، واذا وصلنا إلى حيث الخطر، جاؤوا الينا. وهنا: سلام وكلام ويعطيكم العافية يا شباب.

ولدى صعودنا الى موقع مواجه، راح الاثنان يتذكران ماضيهما هناك. هذا شهور وهذا سنوات، الى ان اشار «السيد» بيده الى غابة صغيرة: هنا توقف رتل الدبابات الإسرائيلية ولم يستطع التقدم. شرح لي اكثر: كان على المقاتلين ان ينتظروا دخول الرتل الى مكان محدد، ويصلون المقدمة صليات مباشرة.

وعندها، توقف الرتل. جبناء. دباباتهم أجرأ منهم. هي مجهزة بحصانة، أما هم فكانوا يتوقفون، طلباً للامداد الجوي، ويعودون ادراجهم. مرات عديدة توغلوا وتراجعوا. و«الله، لو رأوا أمامهم اشارة ممنوع المرور لتوقفوا», نكتة! ، لكنها ذات مدلول. الآلة متفوقة، أما الجندي الإسرائيلي ففي حالة قتالية بائسة.

V هنا نهض الابن من موته بصوته...

هنا دافع الأميركي عن يارون

السيارة تعود الى قلب يارون. بلدة يعاد بناؤها بعد التدمير الذي طالها. يارون، بلدة مقاومة. في نداء، رفيق علي أحمد، يذكر الممثل بصوته البالغ القسوة والحنان بنت جبيل وعيتا ومارون الراس وعيترون. هناك، تبدأ الحكايات. ندخل بيتا. انه الظهر وأكثر قليلاً. البيت لمسؤول في البلدة. يعرفني ولا يثق بي.

يسألهم «بالوما». أخيراً يقول لهم بصوت مرتفع: «شو، بحكي؟». الجواب: «خود راحتك يا حج». قلت: صاروا حجين وسيد، ولا أسماء.

أنا أكبر منه عمراً، ولما سألته قلت له يا عم: «ابتسم. فأنا العم وهو الشاب». لم نتوقف عند هذا الإشكال المسلِّي، لأن وجبة الطعام الإلزامية حضرت.

كبسنا بكبسة طيبة المذاق، ثم حضر الشاي وما فاضت به ذاكرة الأوجاع. ولما تمنعت عن تناول الطعام، خوفاً من إلحاح النعاس، تمنع رفيقاي. حُرِما من لذة الكبسة. وكان الوقت وقت غذاء. عوضوا عن المائدة الكريمة بأن فرشوا للصلاة مائدة جانبية، وتناولوا فيها كلام الله.

«أنا وابني على طول في الحرب. هو في مكان وأنا في مطرح ثاني. ابني عريس، وعروسه وحدها. ابي نصف مشلول في بيته لم اتمكن من زيارته او عيادته. ولأن الاخوان يعرفون مدى تعلقي بأبي، نصحوني بألا اعوده كي لا أضعف (قلت: يعرفون البسيكولوجي أيضا). ابني يتلقى الأوامر مني: تقدم فيتقدم. هو على الجبهة وأنا من بعيد قريب.

القصف يقترب. التلال التي حولنا، حوَّلها القصف الإسرائيلي الى منصات قاتلة. البيوت تنهار. تتقدم جرافتان وحولهما جنود إسرائيليون، ابتعدتا حوالى 800 متر عن السياج. قذيفة مدفع تصيب الجرافة. يهرولون ويهربون ويعودون الى خلف السياج، ويتركون الجرافتين في أرضهما.

دُمرت بيوت كثيرة في يارون. وللمفارقة، أول بيت دمر، لم يقبض حتى الآن الدفعة الأولى (قلت: ملَّلا دولة). لا تعليقمن الاخوان.

حتى الآن، كان الكلام عن معارك ماضية، لا يشكل مادة تُحس. والمعارك عادة، بعد حصولها، تصير كلاماً او صوراً. والحالتان لا ترضيان شغف النفس، ولا ترضيان توما، الذي أشبهه وأتكنى باسمه.

لم يشأ «العم» ان يتحدث عن نفسه. فحدثني الحج قال: كان ابنه، وسماه باسمه: في تجمع مطل على واد، يتوقع ان يكون ممراً للدبابات الإسرائيلية. اتصل بالجهاز وأعلم القيادة بتقدم الدبابات، وانهال القصف على التجمع. دُمر بيتا بيتا، طابقاً طابقاً، و«الابن» ينتقل، مع آلة الرماية من غرفة الى غرفة وينجو.

أخيراً لم يبق له الا خزان الماء. فالتجأ اليه. أمروه باخلاء الموقع. رفض. هو يقبل الاوامر التي تقول له تقدم. لا يقبل الأوامر التي تأمره بالتراجع. لم يتراجع، بل تطوع وراح يصلي رتل الدبابات صليات صاروخية... ونجا. ولما عاد، بعد الحرب، لم أعرفه.

قاطعنا الأب وقال: ابني كغيره من الشباب. وراح يحدثني عن الحاج رضوان صالح وابنته ريما. هذا شاب أمضى جزءاً من حياته في الولايات المتحدة الأميركية، لما عاد من كاليفورنيا في الـ97، التحق بالمقاومة، واستقر هنا في يارون. وإبان العدوان ظل يقاتل حتى استشهد في المعركة. وقد دفن هنا.
قلت: هل كنت تعرف اخبار ابنك.

اسمع يا أستاذ: ذات مرة، كنت احكي معه على الجهاز. وفجأة انقطع صوته. طلع قلبي من صدري، ما عدت شوف قدامي. أنا مسؤول عن غيره مثلما انا مسؤول عن ابني. بس هيدا ابني. شكّيت. يمكن يكون استشهد. وكانت أمه تتصل لتسمع صوته، ولما لم تعد تسمع: صرخت العروس وأمها: استشهد يا أمي استشهد. مات. واقتنعت زوجتي بأن ابنها مات. حاولتُ طمأنتها، فلم أفلح. بعد وقت. اتصل بي ابني، وطلبت منه ان يُسمع امه صوته. ولما سمعت الأم صوت ابنها، قام من بين الأموات.

طلبتُ ان أرى ابن العم. فدخل علينا: «يا الهي! أي رجل هذا الرجل. شاب اشقر اللون، عريض المنكبين، منخفض الرأس، حائر في تواضعه. ينظر إليَّ ويبتسم من طرف عينيه. ثم يحني رأسه كأنه يريد ان يختفي. لم يتفوه بكلمة. وقفنا جميعاً. صافحناه. صافحنا كأنه يقوم بعمل بروتوكولي. لم يُشعرنا بأنه مهم، او هو شجاع. تظن انه كان يعمل على الكمبيوتر، ويقوم بعمله، وقد عطلنا علينا فترة نشاطه.

قلت، تحداه قليلاً: «أنا عندي نذر. اريد ان أرى القدس قبل موتي». نظر إليّ. ابتسم ولم يقل إلا كلمة واحدة واثقة. «ان شاء الله» كررها مرتين. صدّقته واقتربت منه وعانقته. لأول مرة أعانق جبلاً. لأول مرة أحدِّق متخليا عن توما.

VI وهنا داس جواد «الدمشقي» رأس الضابط الإسرائيلي

حدثني الحج خضر، واسمه صار مسموحا التداول به، كان يأمر ابنه اثناء القتال، وعليه ان يؤمن الطعام للجرحى. كان أحدهم قد اصيب اصابة بالغة في حنكه. منعت عنه المرآة كي لا يرى وجهه. ينزف وجهه ببطء. لا دواء. لا طبيب. لا قدرة على نقله الى اقرب مستوصف. وبعد أيام، بدأت الديدان تأكل لحمه وتنهشه، والعذاب يفوق التصوّر. «كنا نداويه ببنج كذاب. نقول له هذا بنج ونخدره وينام. ولم يكن في الابرة سوى ماء»... وبهذه العناية البدائية، استمر حتى نقل الى المستشفى بعد أيام، ولما شفي قرر أن يعود إلى الجبهة... فلم.

لا يتوقف الحج خضر عن الكلام: من أين كان يأتي بالطعام؟ «طيب. نحن مجهزون بالاجبان. بالمعلبات، لكن، من اين الخبز؟ من اين كل شيء تقريبا؟ كنا نتسلل الى البيوت المدمرة، الى الدكاكين الصامدة، ونأخذ منها حاجاتنا، ويترك «الاخوان» ورقة كتب عليها، «راجعوا الحج خضر... لقد استعملنا كذا. اخذنا كذا...». وذات يوم اشتد فيه القصف، لجأ الحج خضر الى مكان «لقيادة العمليات»، وإذ بالقصف يشتد. لا صوت يعلو فوق صوت القصف. دمار في كل مكان. اضطر البعض الى ان يدخل بيوت المسيحيين للحماية ولاستعمال بعض الاغراض. تركوا ورقة: «راجعوا الحج خضر»، فيما كانت سيارة الحج قد احتلت طوابق احدى البنايات المرتفعة. الصاروخ حفر حفرة، ونقل السيارة الى الطوابق العليا.

بعد انتهاء العمليات جاءته سيدة مسيحية: «ولو يا حاج خضر. مش عيب تعاملوني هيك! شو أنا غريبي عن يارون؟ كيف بتعملوا هيك وبتكتبولي هالورقة. أنا بيتي يا حج خضر صار مقدس بقدوم شبابكم. عرق شبابكم مي مقدس عنا».

علق الحج: أخرستني امرأة بتعاطفها. هل نستحق كل هذا الشكر؟

ماذا بعد؟

قال الشباب: أتعبنا الحج خضر، ونهضنا الى قلب الإعصار، مروراً بمارون الراس. إلا ان «السيد» رأى ان ينقلني الى «فترة سماح». فأزارني منطقة مطلة على اجمل بقاع فلسطين المحتلة، وعلى التلة نشأ مشروع ترفيهي للكبار والصغار ولأهل المنطقة. استراحة تمتد على 25 هكتارا تقوم على تأهيلها هيئة ايرانية. استحسنت المشروع وحزنت. ايران قادمة من بلاد فارس الى لبنان، لتشجير تلة واقامة منتزه. ودولتنا، قابعة في بيروت وضواحيها من المدن القريبة، تهتم بالاسفلت على طوابق فوق بعضها البعض في العاصمة، وعلى ارصفة ينتزع بلاطها ليصف عوضا عنه. بلاط لا يسير عليه الا قلة ممن لا يقتنون السيارات.

(هذه فاصلة اعتراضية ضرورية...)

سألنا الشباب عن المشروع: قالوا: يفتتح قريباً. خير الكلام عنه ان تزوره وتجلس في جنباته المطلة على فلسطين بصيغة العودة اليها... ولو بعد الممات.
الى مارون الراس، والظهيرة تلفح بشمسها الزوايا والتكايا. لا أحد تقريباً في الطرقات. الناس دلفوا الى منازلهم ليتقوا حرارة تموز. ونترجل من السيارة: «هنا تسلل الجنود الإسرائيليون وأقاموا في هذا البيت. يخرج الينا صاحب البيت. يسلّم. يعرف الشباب. يرحب بي. يعرف بيته صار مزاراً. يعزمنا للدخول. يمتنع الشباب ونكمل الرواية: «لما جاء الأمر بتطهير المكان، وهو في قلب مارون الراس، وعلى تلة فيها، تقدم جواد الدمشقي من درج المنزل. فتح الباب وخرج ضابط إسرائيلي فصرعه على الفور، وداس رأسه. وعلى الجهاز قال للمسؤول: رجلي فوق رأس الضابط الإسرائيلي. جاءه الجواب: طهر البيت بكامله. العدو حولك من جهات ثلاث: في هذه الاثناء كان الجنود الإسرائيليون قد اختبأوا داخل الغرف وبعضهم داخل الحمام. وفيما رفاق جواد، يقتحمون البيت من الخلف، ويتصيدون الجنود الصهاينة، اخترقت رصاصة من بعيد جواد، فاستشهد.

VII دعني أقبل يديك الطاهرتين

«يللا يا اخوان. اسرعوا. الإسرائيليون سيقصفون الجسور قبل وصولنا. كنت في طريقي من بيروت الى الجنوب عندما علمت بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين، وقتل عدد من القافلة. هكذا بدأ الحج فادي حديثه. استدعي من بيروت لاستعادة المعركة العسكرية معي.

«كنت عائداً الى الخدمة المتوجبة عليّ». ولما وصلت الى مركزي المقرر، كانت العمليات العسكرية قد بدأت. يتصل بي مسؤول العمليات ويبلغني ان انتقل الى موقع جبل الباط... تغيّرت المهمات وبات علينا، ان نكون في المواجهة المباشرة. تقريبا، على الخط الأزرق. كنا نراقب بدقة. وفي اليوم التالي بدأت الرماية مباشرة على جل الدير. العدو بصدد عبور الحدود. قصف وغارات لا تتوقف.

ليل الثلاثاء، قمنا كالعادة، بتلاوة دعاء التوسل. قرأناه مع الأخوان، وكنا اربعة. وعند الصباح، ومع تبديل الحرس، سمعت صوتا قريبا: «العدو يحيط بنا. انهم هنا. لقد تسللوا من خلال غابة صغيرة». اقتربوا اكثر وفجأة سمع صوت انفجار قوي. أُلقيَتْ قنبلة على المدخل الرئيسي للموقع، وعبق الجو بالدخان.
اكمل الحج فادي: ظننت ان القصف ناتج عن انفجار قنابل عنقودية. بعد قليل سمعنا أصواتا عبرية. لقد التصقوا بالمكان. والموقع لا يشبه أي مكان في العالم. انه موقع لا يقع فوق الجغرافيا، بل في داخلها.
«عم يحكوا عبري يا اخوان. يللا». الباب الاول معطوب و
خطر، فلنخرج من الباب الثاني، والثاني مخرجه لا يتسع إلا لمقاتل واحد وبصعوبة، تسلقت الدرج وفتحت الباب اللامرئي، الباب المجهولة فتحته واقامته. باب من أبواب الأسرار. وفجأة يقول الحج فادي، لدى شق الباب (من تحت الأرض) وجدت جنديا اسرائيليا يدير ظهره إليّ. رميته واغلقت فتحة الباب. انها، «ديان بيان فو» مصغرة.

قتل الجندي الاول. و«صرت افتح الباب كي أرى بعين واحدة، وأمرر فوهة البندقية. عين من بني آدم، واخرى من فوهة.

رأيتهم يرمون قنابل عشوائيا ولا يصيبون أحداً. اصابوا الاشجار ولم يعرفوا مكان صدور النار, وصرت افتح وأرمي. ومرة، فتحت الباب قليلاً، فوجدت جنديا اسرائيليا مرميا يعالجه ضابط. كان رأس الجندي امامي وعنق الضابط المعالج قريبة من الفوهة شبراً. رميته في عنقه.

الجنود الاخرون، كانوا يرمون رمايات عشوائية ويصرخون ويعولون. لم انتبه الى انني اصبت بيدي، بشظية، لكثرة ما رموا من قنابل. دامت المعركة ساعتين ونصف، حتى كادت ان تنفد الذخيرة. مساء، اذاعت اسرائيل عن خسائرها: ستة قتلى وعشرة جرحى. عصراً، انسحبنا، فيما كانت الرمايات تنهال علينا من مواقع عالية في مارون الراس. نجونا وقد كان في حوزتنا ما وقع من أكياس وجعب و... تركها الجنود الاسرائيليون في أرض المعركة.

اصغيت إليه. انه شاب في رجولة لا تعبرها السنوات، كأنه انتظم في صفوف المقاومة بالأمس القريب. مع انه عتيق ومجرب. سألته عن العائلة:

«كانت امرأتي حبلى. استطعت تأمين اتصال معها. عرفت انها تركت بيروت. طلعت على البقاع عن طريق جبيل. بعد الحرب. اول اتصال كان مع ابنتي. بكت. حرت ماذا افعل. يجب ألا ابكي. لن ابكي. قبلتها على الهاتف. قالت لي أنا مشتاقة... قلت ما لا يقال من حنان أبوي، بصبر وفرح».

افرجت عنا المعارك، وبسرعة وصلت الى البقاع وزرت بيت عمتي. عمتي لها عندي مقام كبير، لما رأتني ابنتها صرخت: «جاني اخوك يا يمي».

وركضت للتو، باتجاهي: «نادرة ندر بوّس ايديك اللي قاتلوا». سحبت يدي. خجلت. تمنعت. قالت لي: «ضع منشفة على يديك. اقبلهما من فوق المنشفة». رفضت. قالت بالحاح. «سأفي النذر». وقامت وقبلتني في كتفي... عندها، كدت ابكي.

فضلت الصمت الطويل. ما اجمل هذا الفرح.

فيما كنت أراقب هدوءه. نظرت الى عينيه. التمعتا. لم يكن فيهما حزن البتة. التمعا بفرح وسحابة من دمع ناعم... وابتسامة خجولة على الشفتين.

VIII أرمي أم احمي... وبنت جبيل تحترق

الحج جعفر (ربما) اخذني الى مكان آخر. عدنا الى يارون. بنت جبيل مؤجلة. عيتا ايضا. مارون الراس الى وقت ما. المواقع الاخرى: إذا كان الظرف مناسبا. هكذا خمنت. هم يتولون امري. أنا اطيع. اسأل عندما يبلغ الصمت حداً لا يطاق.

قال الحج جعفر «كان الوقت عصراً. تبلغت بضرورة الخروج من موقعي لأقوم برماية لمنع رتل من الدبابات يتقدم من محور يارون. خرجت واكتشفت ان الموقع الذي سأرمي منه، قرب منزل كبير، لجأ إليه عشرات من الاهالي، بعدما دمر القصف منازلهم.

وقفت حائراً: عليّ ان أرمي وان احمي. كيف؟ لا اعرف. ما العمل؟ العدو اذا واصل تقدمه، دخل يارون من بابها العريض. عليّ ان ارمي واوقف توغله. واذا رميت، صبّت الطائرات الاسرائيلية قذائفها وصواريخها على المحيط برمته، وقد تكون قانا جديدة.

أرمي عدوي أم احمي اهلي.

الانتقال بعتادي الحربي الثقيل من موقعي ليس سهلاً، ومعرض لخطر القصف والقنص والست «إم كا». أخيراً. ثقل عليّ الموضوع: نقسم الخطر والنجاة مناصفة. سأبتعد مئات الامتار عن الموقع المحصن، واطلب من الاهالي الابتعاد عن ملجئهم مئات الامتار، وبسرعة، وهكذا حصل.

رميت وحميت. تلك منحة ربانية، «فالله رمى».

صعدنا الى السيارة، بعدما تغيّرت مرة اخرى. الوجهة الى مثلث الصمود والتحرير. اسرّيت الى «السيد» الذي لقبته «الأخ علي»(؟) بأنني لست عسكرياً. ولذلك عليه ان يطوّل باله عليّ. لا افهم بسرعة. ثم اني غريب عن المنطقة. وانكم تتكلمون بطريقة تظنون فيها انني فهمان عليكم. أنا بالكاد افهم. تدرجا من الابتسامة الرضية الى الضحك. عال. «صار فينا نحكي شوي خوش، بوش».

اظن، في تلك اللحظة، بدأت الكيمياء تفعل فعلها. ارتبطنا. صرنا نفهم على بعضنا البعض. سقط الحاجز بيننا. انتقلنا من رتبة الاحترام والاهتمام، الى رتبة ارقى: الود المتبادل. ارتحت وتحررت من الحرج. طلبت من السائق ان يتوقف. اطاعني، قلت: كي افهم ما جرى، اريد ان اضع رسماً لسير العمليات. انتم تشرحون لي بأسلوب المعارك المتقاطعة.

سأرسم: هنا بنت جبيل وهنا عيناتا وهنا عيترون، فمن اين يبدأ الهجوم. وكيف حصل ما حصل.

المكان المحدد الذي سنصل إليه، وفق ما يقول الدكتور منذر جابر، يدعى عقبة عيترون. وهي مشرفة على سهل الحولة. ومن التلة، قرب المدرسة المهنية تظهر مدينة أريد ومنطقة المثلث في الأردن كذلك «المفرق». وإذا انتقلنا مائتي متر إلى جبل كحيل تظهر منه حارة الأكراد في صفد، وهي الحارة الشمالية (صفد مؤلفة من أربع حارات). كما تظهر منها مزارع شبعا وجبل الشيخ بالكامل.

سعت اسرائيل بكامل قوتها كي تسيطر على هذا المثلث، الذي يصر زميلي في السفير حسين أيوب على تسميته بالمربع، مع رسم توضيحي، يبرز انتماء «المربع» إلى بلدة عيناتا. (وكل كلام غير ذلك ليس دقيقا).

ولأنها بهذه الأهمية الاستراتيجية، فقد بنى فيها الفرنسيون «أطمات» (جمع أطم) كاستحكامات عسكرية، لعبت دورا بارزا في الحرب العالمية الثانية، حيث استطاعت قوات فيشي المرابطة هناك من منع القوات البريطانية والديغولية من التقدم، وهي زاحفة من فلسطين.

وفي معارك المواجهة الأول مع اسرائيل، عام 1948، كان لهذا الموعق دور هام في معركة المالكية. وقد أقام فيها يومذاك الجنرال فؤاد شهاب مع وزير الدفاع آنذاك مجيد أرسلان.

ومما يعرف عن تلك المنطقة، أنها كانت استراتيجية تماما، كما كان المدفع المنصوب في الناقورة، ويدعى: «سفير جهنم».

ويبدو أن هذا المكان موقع خلاف بين أهل القرى الثلاث، التي تتنازع انتماءه. كل يدّعي عن حق، وصلا بالمثلث. وقد نبهت كثيرا إلى حساسية الأهالي. غير اني وجدت انه من الأفضل انتماء عيناتا وعيترون وبنت جبيل إلى هذا المثلث واخلاق تسمية جديدة عليه باسم «بيت عيناترون». لعل في التسمية حلاً... سنرى.

نعود إلى الطريق الواصلة بين مارون الراس وبنت جبيل، كانت السيارة تطل من فوق على المدينة. مدينة/ بلدة، توسع المكان لتلال حولها. تنتشر من وسطها والاسواق المرصوصة، الى ما بعد التلال. وهناك، الملعب الذي خطب فيه السيد خطابه الشهير: «أوهى من بيت العنكبوت».
من أين ستأتي العناكب؟

وضعت بنت جبيل في الوسط ورحت أرسم خارطة توغل الاسرائيليين والمواجهات: بعد اشتباك غابة عيترون، وقتل جنود الاستطلاع في تل الباط، وبعد تطهير البيت في تلة مسعود، قررت اسرائيل دفع قواتها، بعد قصف متواصل لبنت جبيل وعيناتا وعيترون والمناطق التي ستتوغل إليها والطرق التي ستجتازها، عبر محاور متصلة بثكنة أفيفيم عبر مرتفع كحيل. وقد اضطر الرتل الى التوقف بعد رماية من صاروخ وعبوة انفجرتا بالرتل. وهناك رتل آخر كان يتقدم من بوابة هرمون، باتجاه كسارة رميش الى تلة مسعود، وهذه توقفت مراراً، بسبب الرمايات المتنقلة. أما الرتل الثالث، فقد كان قادما من جهة الصدح الى بركة الحافور في مارون الراس. كان غرب وشرق بنت جبيل محاطاً بالاعداء والدبابات والقوات الاستخبارية المتقدمة، لإرشاد قواته للتقدم او التراجع.

ولم تستطع الدبابات العبور.

قلت: الآن فهمت. ولهذا بدأت المعركة البرية.

قال الحج جعفر: الآن، كي تفهم اكثر، نذهب الى «كرم الزيتون». قلت لم افهم. قام بحركة بيده معناها: ستفهم.

هنا المدرسة المهنية. تذكر جيداً. هنا الجامع. احفظه جيداً. وهنا مثلث التحرير، لا تنس ذلك. وهنا كرم الزيتون. ترجلنا من السيارة وأراني بأم العين، الملحمة التي خاضها المقاومون لمدة ستة وستين ساعة، دحروا فيها المشاة. وقد أجرت الزميلة سعدى علّوه تحقيقاً موقعاً عن تلك المعارك.
قال: في تمام الساعة الرابعة والربع «فجراً»، بدأ القصف على كل المباني. كان استنتاج غرف العمليات، ان اسرائيل، قررت ممارسة الأرض المحروقة تمهيدا لدخول المشاة المعركة. تقدمت فرقة منهم تقدر بـ 165 جنديا. ووجهوا بعنف على طريق المدرسة المهنية. ما استطاعوا اكمال الطريق. وصل بعضهم الى كرم الزيتون، وكان في المقابل ثلاثة مقاومين فقط، رابطوا في المكان، يراقبونه، لا مقاومة، لا طلقة نار. لا... ففتحوا ثغرة في جدار كرم الزيتون وتدفقوا الى أرضه. كان المقاوم يراقبهم ويراهم واحداً واحداً. تركهم كي ينهوا تموضعهم داخل الجدار، ورمى عليهم قنبلتين، فيما فتح المقاوم الثاني النار بكثافة.

وبدأت القوات الإسرائيلية بأطلاق نار عشوائي، اذ لا احد في المواجهة. وتحول كرم الزيتون الى جحيم. وقدرت فرقة صغيرة من التوغل الى مبنى، حولته الى مستشفى نقلت إليه القتلى والجرحى. بعد اخلائه. وجد على الجدران، اسماء جنود صهاينة قد وضع عليها حرف اكس. (قتل)، اما الجرحى، فقد كانـوا اكثر ولمااشتدت المعركة، حضرت مجموعات من بنت جبيل وعيناتا، تحت القصف، وتحت مراقبة الجاسوسة «أم كا». وكان الهدف منع انسحاب القوات المعادية وتطويقها، وصدرت الأوامر الاسرائيلية بتلبية النجدة لقوات المشاة، فبدأ القصف بشكل جنوني. عاشت بنت جبيل احلك الساعات. دمر الجامع، وقد استشهد من المقاومين حوله، قرابة ثلاثة عشر عنصراً.

منذ ذلك اليوم، عرف الاحتلال ان بنت جبيل عاصية عليه. فقرر ان يجعلها «شهيدة»، إلا ان الشهيدة عند شعبها حية ترزق، كما الشهداء عند ربهم أيضا.

IX حان وقت الاختباء

من الصباح حتى الخامسة عصراً، تعبٌ يطرد عند كل منعطف. يهمل عند كل معركة. يستريح في كل موقع. تعب يزداد، ولا راحة لمتطفل مثلي، غير الادعاء، بأنني ما زلت صامداً على خدر في القدمين، وتعب في العينين، وترهل في السير، وعدم قدرة اصغاء الجملة حتى نهايتها.

من سيارة الى اخرى، عدنا الى مكان كنا فيه، دخلناه من طريق آخر. فجأة بلغنا مكانا، ادخلنا إليه بطريقة غريبة. مكان بنوافذ ملغاة تماما.
دخلت وكانت المفاجأة.

ثلاثة بانتظاري. سلام ناشف. ابتسامات تقليدية. عيون محايدة. إلا انهم منصبون على عمل يقومون به، ليل نهار. أشار الحج بإصبعه الى الجدار، ورأيت ما لم أره، وما لا يجب ان أراه. ولا أحداً قبلي رآه، كما قيل لي، سوى قلة من المختصين واصحاب العمل.

ألبست بزة عسكرية، لا مسافة مرآة كي أراني. قالوا لي: «كويسة». الجميع ارتدى البزات واقتعدنا الأرض. فاجتاحني نعاس. استأذنت لقيلولة مسائية وغفوت، فيما هم يتحدثون ويعملون بما يشبه الهمس.

«خي»، ارتحت. انها الثامنة. مرنت ثيابي العسكرية بنوبة من النوم العميق. ضحكت ثم ضحكت ثم ضحكوا معي ومني.

هنا، بدأنا نشبه عائلة قيد التلاقي. لكن انضمام ثلاثة الى المجموعة، صعَّب مهمة الاسماء. هنا ايضا الاسماء ممنوعة. والرؤية ممتنعة. والكلام مهموس. فقط الاسئلة مسموحة. و«النقوزة متاحة» على مواقع العدو ليلاً، واكتشفت ان ما رأيته طوال النهار على طول الحدود، لم يكن شيئاً مفهوماً. العين المجردة قاصرة. عيون الليالي افضل.

ما أراه ليلا. بدا لي قريبا، بل اشد قربا. كأنني على تخوم ثكنة دوفيف، أرى الجنود فيها. هم في متناول... «علمك وعملك في المستقبل». كأنني أرى العدو في زرعيت والطرقات المحيطة في برانت وما حولها. كل ما رأيته نهاراً، كان في متناول بصري ليلاً.
ذلك هو العلم...

الايمان يعطيك الدفع الكبير، العلم يوصلك الى الهدف، وتصيب. اثنان يتلازمان بدقة. يعملان بانسجام. الله ليس وحيداً هناك. والعقل ليس يتيماً ايضا. التقيا. فرأيت ما رأيت.

وفجأة، اشار احدهم: انهم يدخلون من خلف السياج. لقد قطعوه. اضيئت المنطقة بالكامل. قد يصلون الى الخط الأزرق ويعبرونه. سيكون الليلة خرق ربما. إلا ان المشهد تعقد. ملالتان توقفتا في فسحة ما بين الشريط الشائك والخط الأزرق. حولهما عدد من الجنود. توقف الجميع عند تفسير ما يجري.

حركة غير عادية. هواتف. اتصالات. كلام ينقل. عبارات لم افهمها. لم اعرف الى اين تذهب. سألت، فتأجل الجواب. كان الاستنتاج الاقرب للتحوط، ان التحرك ربما يكون لتغطية فرار عميل الى «إسرائيل». تنبهنا جميعا. وصرنا نراقب حرارة المشهد. اتسعت الرؤية اكثر. صرنا نرى الجهة اللبنانية المزمع عبورها، ربما، من احد العملاء، كما حصل سابقا.

انتظرنا... وسهرنا...

وبين الانتظار والمراقبة، مدت «سفرة العشاء على الأرض»، مما تيسّر من كرم المساء. لبنة. جبنة. خيار. شاي. خضار. فواكه. ومشروب غازي، (فقط لا غير).

كان «الاخوان» قد نهضوا للصلاة من قبل. استأذنوا. خجلت قليلا. سألني احدهم: هل تصلي معنا؟ اجبت: صلّي عني. الله يسمع منك اكثر مني،
لما انتهت الصلاة، اقدمنا على كسرة خبز طيبة، جوعي اخجلني. اكلت من «اللبنة المزنكلة»، دزينة واكثر. وفيما كانوا هم قد انهوا عشاءهم، كنت ما زلت اغمس اللبنة بالزيت والزيتون وعروق النعنع و...

انشغلت بالطعام على مهل، فيما راحوا يجيبون عن اسئلة كنت قد طرحتها إبان النهار، الحديث يكاد يكون مهموساً. الليل ينقل الاصوات حتى الخفيضة منها.
كان السؤال: كيف كنتم تواجهون «أم كا»؟

محنتنا كانت هذه الطائرة، تصوّر انه في معارك بنت جبيل ويارون ومارون الراس، كان عدد الإم كا، كبيراً جداً. توزعت هذه الطائرات السماء وفسحتها الى مربعات للمراقبة والقصف. كان علينا ان نختبئ عن عدستها نهاراً، اما ليلاً، فكان علينا ان نلغي حرارة أجسامنا. نلتصق بشجرة او جدار. لان لدى الإم كا، قدرة على التصوير الليلي، عبر حرارة الاجسام. فهمت ما حولي، عندما عرفت وظيفة الإم كا.

العناية الالهية، او اللطف الالهي، مرجعية هامة في حياة المقاوم.

ينسب كل نجاة او صدفة حسنة، الى اللطف الالهي، وينسبون نجاحهم في تعطيل فعالية الرؤية النهارية والحرارية ليلاً، الى حيل علمية وذكاء عملي. قال لي عن الأم كا: «عرقلت حركتنا. ولكنها لم تعطله، اضرت احيانا انتقالنا من الى... إنما وصلنا. انه اللطف الالهي.

الحج، قائد مجموعة قتالية، كان قد حدثني في عيترون عن الاتصال اللاسلكي، وعن دخول الإسرائيليين على الخطوط. ذات مرة، دخل على خط الحج، ضابط اسرائيلي (يتقن العربية) قال لي: «يا جبان. نحن نعرف اين انت، أليس معيبا ان ترسل اخوانك ليقتلوا فيما انت تلوذ في ملجأ. اسحب مخربيك كي لا يبادوا».

عجبتُ، قلتُ له: وكيف تسمح لنفسك ان تسمعه. أليس هذا اتصالا بالعدو. ابتسم وقال: لاحقونا طوال النهار الحرب بهذه الرسائل.

ـ بماذا كنت تجيبه؟
قال: بما يلزم. مثلا: تهددني بالموت، وهو ما أبتغيه، الى آخره، وكان ييأس لفترة، ثم يعاود تهديده، وكنت ارد عليه بهدوء يثير عصيبته. وبين ساعة وساعة كان يكرر ذلك، الى ان جن جنونه من هدوئي، فراح يشتم ويسب ويلعن ولم يترك شيئا سفيها لم يقله. ولم اجب عليه. كنت اقول: هذا مستواك، ونحن لسنا من هذا المستوى أبداً. اذا كنت تريد المواجهة، فهي ليست بالكلام السباب والشتائم، بل حيث تجري مواجهة الآن، في محاور القتال. يشتم مرة اخرى، ويقفل الخط. وطفح كيل احد الاخوة المقاتلين الذي استمع مراراً الى هذه الاتصالات، فامسك الجهاز، وصب عليه جام غضبه وشتمه بسباب غير مسبوق. فأجابه الضابط الإسرائيلي على الجهاز. أنت لست من «حزب الله». «حزب الله، لا يشتم».

واستطاع هذا المقاتل، ان يستدرج الإسرائيلي الى برهان وجود. فلما اطل بمدرعته من موقعه، رماه بصاروخ اصابه.

«العين بالعين، ولكن بطريقة اخرى».

وفيما نحن نلملم فتات العشاء عن البساط، سمعنا المراقب: «تحركوا مجدداً. ربما جاء العميل. انتظرنا طويلاً. ولكن المشهد ظل ساكتا، حتى انسحب الإسرائيليون عند الصباح. فاتنا مشاهدة معركة او تسلل. لكن لم يفتنا ان نتخيل ما كان سيحدث، لو ان الإسرائيلي عَبَر الشريط، او لو ان العميل، هرب عبر الشريط.

X معارك من خارج الميدان: استراتيجيا

بعد العشاء، طاب السهر على أحاديث مقطوفة من يوميات القتال. فيما كنت أتساءل عن كيفية المواجهة، تبين لي، ان المقاومة لم تكن أعداداً غفيرة في القرى. أحيانا دون العشرين. إنما كان انتشارهم وحسن تموضعهم ودقة اتصالهم بالقيادة، الى جانب إيمانهم الملتهب الممزوج بحب الشهادة، كان من العوامل التي جعلت العدو يخفق في اختراق البلدات.

كان العدو يحيط بها. يحاصرها. يقصفها. يدمرها. ولم يجرؤ على تمشيطها وتنظيفها. حاول مرة في مارون الراس، فتكبد خسائر وخرج منها. والمقاتلون في البلدات، أهل دراية. مطمئنون الى انهم بين اهلهم. الفارق بين هذه المقاومة وما سبقها، انها احتضنت اهلها، فبادلها الأهل بالاحتضان، المقاومات السابقة، احتضنها الأهل، وكوفئت أحياناً بعقوبة التسلط والتفلت والهدر.

وكنت ألاحظ، بين حديث وحديث، وبين رواية حادثة وأخرى، ان عناصر المقاومة على اتصال وانفصال معاً، اتصال من اجل المعلومات والمعرفة والدقة، وانفصال من حيث المناورة والتقدم والانسحاب وكل ما له علاقة بمنع العدو من التقدم براً.

السماء ملك «الإم كا» والقاذفات الاسرائيلية أما الأرض، فهي ملك من «بما ملكت أيديكم».

وتوقعت، من خلال ما سرب إليّ او استنتجت، ان المقاومة ستخوض المواجهات، في حال نشوب حرب مقبلة، من خلال مجموعات مستقلة. قرارها منها. سلاحها معها. ذخيرتها حولها. طبابتها إلى جانبها. غذاؤها رهن وجبات تتوفر. وانها ستكون متنقلة، وتخضع لقيادة ميدانية مباشرة، فيما تظل القرارات الاستراتيجية والأسلحة الاستراتيجية كلها، في قبضة القرار المركزي.

كل مجموعة، غرفة عمليات ميدانية، الأمر لها. والباقي على الله.

XI في هجاء الشاي... و«تقبيل أقدامكم»

المكان مغلق، يصر احد الأخوان على ابقاء المهواية مفتوحة. صوتها مزعج. طالبنا باستراحتها، فأصر على إبقائها على حالها: «إنها تمتص الاصوات وتبعثر تموجاتها، فلا تنتقل. والليل جاسوس». فهمنا، المهواية لتمويه الصوت، ويجب أن نتحدث بصوت خفيض.

ـ شاي ايضا؟.
قلت: يبدو ان حفلات الشاي كثيرة، الا ان واحدة كانت «غير شكل». فهم الاخوان وعلق «السيد»: «لا افهم. وحتى الآن لا افهم. كيف يمكن تقديم الشاي للعدو والجلوس معه واستقباله بود وابتسام، فيما هو يسفك دمنا. هل نحن في بلد واحد؟ هل هذا هو لبنان؟ هل الذين قاموا بذلك لبنانيون؟».
توقعت ان يأتوا على سيرة الوزير محمد فتفت... فتمنعوا.

ورحت أقول شعراً في هجاء الشاي، فاستظرفوا.

حاولت استدراجهم للتحدث عن حياتهم الشخصية: قال لي أحدهم. اننا نشبه كل الناس. لنا أمهات نحبها ويحببننا. لنا عائلات نضمها وتحضننا. قال احدهم: أمي، لديها اربعة أولاد، الاربعة مجاهدون، وأمي توضب لنا اغراضنا عندما ننتقل من البيت لأداء مهمتنا. قال آخر: أمي ليست كذلك، كلما تجيء نوبتي للانتقال الى الموقع، اضطر الى إخفاء ملابسي في حقيبتي، واهرب حقيبتي من الشباك، واذهب باكراً حتى لا أتعرض الى سين وجيم. تصلي لي كثيراً، أخي ليس مقتنعاً، ليس متديناً.

قاطعته: أخوك متدين على طريقته.

وافق. ربما لمراضاتي او لاقتناع مستجد.

قال: عندما انتهت المعارك، وعدت الى البيت، لاقتني أختي «أنت موّتت بيك وهلق بدك تموّت أمك». ثم عانقتني وقبلتني.

قالت لي: «ولو يا خييي. إرحم عمر أمك». قبلتُ يدي أمي. احتضنتني بدموعها. قبلتني. شمت عرق القتال. تمتمت: «الله يحرسك يا ابني». كان دعاؤها هذا، ذخيرة عمري.

قلت: انهم يصورونكم على انكم تدارون «بالروموت كونترول». كأنكم لستم بشراً. حزبكم أغمض عيونكم واصاب عقولكم بالعمى، يطمشون عليكم، ومن ثم يأمرونكم وانتم تنفذون.

سألني: وأنت ماذا تقول؟
ابتسمت. قرأ الجواب في عيني. واكتفى.

أضاف: دعني أسرد لك سيرتنا عن جد. عندما نكون في المعركة، نمنع أنفسنا عن النظر الى الوراء. العواطف مؤجلة. الحنين مركون في القلب. هو ينام عندما نطلب منه. ولكن، ما ان ننتهي من المعارك، حتى تتحوّل القوة التي فينا، الى نهم إنساني. نعم: نهم. نحن مثل غيرنا. إذا بكينا، فبإباء، وإذا أحببنا، عبَّرنا وكل منا له طريقته. جئنا أرض المعركة بإرادتنا. لم يلزمنا أحد. لا طمع لنا بمال أو منصب أو... إلا ملاقاة وجه ربنا. ونصرة اهلنا وتحرير أرضنا. كيف يتحدثون عنا؟ والله اننا نظلم من سيوف الكلام، أكثر مما يظلمنا سوط العدوان.

صمت. ونظرت الى شاب دون العشرين. سألته: عندما سمعت خطاب السيد حسن نصر الله، وهو يقول: «إني أقبل «نعالكم»، نظر إليّ بخشوع: «من أنا حتى يقبل السيد قدمي». هوّنت عليه الأمر. قلت: السيد المسيح، في يوم الغسل، نهض وغسل أقدام تلاميذه ونشّفها. قال لهم فمن كان فيكم كبيراً صار خادماً للجميع».

عاد وأصّر: من اكون أنا إزاء السيد!؟ عندما أنهى خطابه، شعرت انه يكلفني بالانتصار، يضع على عاتقي وعاتق اخواني، مهمة علينا ان ننفذها.

سألت: أليس في حياتكم ما يثير الضحك وأحيانا السخرية. قال اثنان: «يلا يا أخ هادي». وهادي كان مشغولاً بمراقبة العدو. كان لا يزال غير مطمئن الى شبه الخرق. ليس من عادة الإسرائيلي الانتقال الى خلف السياج، إلا لعمل ما، ما هو. استدار إلينا و: «عندما توغل الإسرائيلي الى مثلث عيترون عيناتا بنت جبيل، واشتبكت قواتنا معه والتحمت. طلب مني أن أنتقل الى بناية قريبة من المبنى الذي احتله الجنود الإسرائيليون. تصوّر كيف سأدخل. بكامل الحذر والجهوزية والاستعداد لاطلاق النار. اذ قد تكون البناية أيضاً قد سبقني إليها الأعداء. صعدت الدرج، تقريباً كما يحدث في الأفلام. اصبعي على الزناد. وفجأة اجد امامي مقاتلاً غريباً كث الشعر طويلاً، وبلمحة بصر، أمطرته برشق ناري. عجيب. لم يقع، ولم تتحرك يده ولا شعر بشيء.
نظرت إليه مستقرئاً بعيني.

«يا أستاذ، كل ما في الأمر، أنني اطلقت الرصاص على صورتي في مرآة كبيرة منصوبة على جدار فوق سفرة الدرج. لم اعرف ان شكلي قد تغيّر بهذه الطريقة. كيف أصف لك نفسي، شعري ليس شعراً. انه قبيلة من كتل مبعثرة ومدلاة فوق الجبين والعينين والكتفين، لست أنا. أما لحيتي، فقد فاضت وكادت تصل الى بزتي. اكثر من خمسة وعشرين يوماً، ولا يعرف احد منا سحنته، وجهه، شعره، وفي أي غابة يقيم فمه، وأين أضاع أذنيه.

ما زلت حتى اللحظة، اضحك من نفسي، لأنني لم اعرف شكلي، وشُبِّه لي بأني قتلتُ... صورتي.

XII وإذا بليتم بالسياسة و...

عند منتصف الليل، طاب للاخوان أن يسألوني في السياسة. عندما كان أحدهم يتكلم عن أمر ما، كنت أنا الذي أصغي، فيما ينصرف الاخوان الى اعمالهم الروتينية في هذا الموقع المكتوم من زمان. (كيف حافظوا على كتمانه... فسرٌّ غير قابل للانكشاف).

أما عندما سألوني في السياسة، فقد اقتعدوا في نصف دائرة، وجلسنا كالدراويش، باستثناء مَن عليه واجب المراقبة الدائمة للعدو.

بادرني احدهم: «استاذ. ليش انسحبت مرة من لقاء في المنار؟» قلت: «علقة». هل أبادلهم بالكتمان أو أحرج آذانهم بما لا يرضيهم؟ اختصرت الكلام، ونجوت من «العلقة»، بالتي هي أحسن. أي، لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم». بعدها انهالت اسئلة أكثر حرجاً: ما رأيك بحليفنا فلان؟ وبصديقنا فلان، و... و... حوصرت بعدد من «الحلفاء» و«الأصدقاء» وضرورة إعطاء رأيي فيهم. وقد حمّسوني على ذلك بأدب. اخترت ما يناسب من النقد المهذب. استدرجوني إلى الأخطر، فالتزمت الامانة، وقلت ما يجب ان يقال. الى ان طالبني احدهم: فضفض يا استاذ كل ما في قلبك وعقلك. وأفضت في النقد حتى الثمالة. لم اكذب عليهم. قلت لهم رأيي بوضوح وصراحة.

قال احدهم: أهذه هي السياسة في لبنان؟ كنا نظن... وكنا نتمنى... ولو!!! ما عاد في صدق وصديق... وقال آخر، أكثر من ذلك. ولما وجدتهم قد تفاعلوا مع ما قلته في السياسة، والحالة التي بلغناها من الدرك الأسفل في التعامل، أكملت وصلتي السياسية بسيل من الشتائم من العيار الوسط...

من كان يتكئ إلى جانبي، استهول ما سمع، وانتصب على قدميه ووقف جانباً، وقال: لحد هون يا استاذ وبس. فطنت الى قصة الضابط الإسرائيلي الشتام، وصمت على مضض. هوّن الآخرون عليّ الامر ومازحوني: «الأخ حساس، أكثر من اللزوم».

احترم حساسيتَهُ. ولكني لا اطيق عدم القدرة على التعبير بقاسي الكلام، على ما آلت إليه أمور السياسة في لبنان، وتحديداً، بعدما انهالت السياسة على المقاومة في عز امتحانها الدامي وبعد انتصارها العسير.

خرجت من السياسة، بأقل الأضرار، فيما هم قد تمتعوا بكشف عورات السياسيين والسياسة، ورأوا أنها غريبة عنهم. سألتهم: اين مرجعيتكم في الأخبار السياسية؟ قالوا: «المنار». قلت: «المنار فقط!» الجواب بالتأكيد طبعاً، انهم لا يصدقون إلا ما تقوله المنار. فقط، من حقهم التشكيك ببعض الإعلانات، خاصة الإعلانات المشروحة.

وجدت وسيلة للتهرب من السياسة. قلت في نفسي: فليحدثوني عن بعض «المعجزات». فلأتوغل معهم في الإيمان، فأخذوني إلى حالي.

عرفوا، بطرق متعددة من خلال بعض الكلمات، أنني لست مسلماً، ولست متديناً. شرحت لهم ذلك... لا جواب. انما كان هناك شعور جميل بأنهم يستضيفون بينهم وفي مواقع حساسة، من ليس من دينهم ولا ملتهم ولا مذهبهم. يستضيفون رجلاً في الخامسة والستين، وهم في مقتبل العمر، ويندفع في كلامه عن المقاومة (كتابة ومرئياً) وكأنه من أهلها.

سألوني كيف وصلت الى فلسطين.

قلت: أنتم وصلتم إليها من خلال الدين. والثقافة الإيمانية، والموقف من الاحتلال الظلم ـ والاضطهاد. أنا جئتها من انطون سعادة ومن خلال أمي. فلقد أهديت كتابي «حوار الحفاة والعقارب... دفاعاً عن المقاومة» بالنص التالي: «إلى انطون سعادة الذي أرشدني الى السيد حسن نصر الله فمشيت خلفه».

لا يعرفون الكثير عن عالمي. عن العقائد السابقة لحضورهم. معذورون، أنهم منشغلون بما هو مادي ومحسوس: تحرير الأرض بالقوة. (وليس ترداد شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة... واذهب وربك فقاتلا) والقدس قبلتنا.

ثم أخبرتهم عن علاقة أمي بفلسطين... فلم يفهموها. لأني انا ايضا حتى الآن، لا اعرف لماذا أمي الأمية، التي لا تعرف القراءة والكتابة، والتي لم تنتم إلى أي حزب، وليست فلسطينية المولد، كانت فلسطينية أكثر مما كانت مسيحية او لبنانية.

فسَّروا لي ذلك: باللطف الإلهي. ارتاحوا. أما أنا فلم أجد تفسيراً بعد.

XIII أصلي صلاتي وأنام

أرضاً ننام. حسنا. أخذت بطانية صغيرة، تدثرت بها ولم اغف، إلا بعد مراجعة هذا النهار المديد. قررت أن يكون الغد، لتسجيل الملاحظات كافة والدخول في تفاصيل المواقع المتاحة. وتذكرت عدداً من قصص، كان عليّ أن أغرزها في ذاكرتي المتهالكة. كي لا أنساها.

القصة الأولى عن ثلاث عجائز، عزلوا في بيت داخل منطقة تعرضت للقصف وباتت خراباً. لم يصل إليهم احد. بنت جبيل تعرضت لقصف احالها ركاماً. كأن زلزالاً من عيار رختر العالي قد ضربها. ركام فوق ركام تحت ركام الى جانب ركام. وبين هذه الحجارة، بيت يضم ثلاث عجائز: لا طعام، لا دواء، لا عزاء. وعندما ذهب المجاهدون للبحث عن طعام لهم في المحلات المدمرة، وجدوا الثلاثة أمواتاً إلا قليلا. فأسرعوا، ومعهم اللطف الإلهي، ونقلوهم الى لقمة ودواء وعناية.

القصة الثانية، عن مجاهد نصح عائلته المؤلفة من زوجة واربعة اولاد، ان يتركوا عيترون الى بيروت. كان القصف شديداً. اطمأن المجاهد الى ان عائلته اصبحت في مأمن، وعندما انتهت الحرب، دعي المجاهد إلى ملاقاة عائلته في عيترون أصيب بذهول. ولما التقاها كانت المفاجأة: العائلة لم تترك البلدة.

فعندما همت بالخروج، انهال القصف على مداخل البلدة، وتحولت الطرقات الى حفر واسعة. وبات الانتقال انتحاراً مؤكداً. فلجأت العائلة الى قبو من طين، هو آخر ما تبقى من تلك البقعة من بيوت لم تسجد على ركامها. ثلاثة وثلاثون يوماً، عاشوا في قبو أشبه بقبر. لا ماء إلا من بئر قريب... ماؤه بطعم لا يطاق... ولا طعام إلا من خبز لتواجد طحين ووجاق.

عندما رأى المجاهد عائلته، كاد أن ينكرها. لم يعرف امرأته ولا اولاده، كان الجوع قد ذوّب وجوههم وأجسادهم... باتوا عائلة من خمسة أشباح... «شي بلوّي القلب».

ويقولون عنهم في الاعلام العربي والغربي لعبة شطرنج. دمى متحركة. عميان. هل نسوا جميعاً ان بيروت في العام 1982، جاعت ولم ترضع من ثديها؟
وعنّ على بالي ان أتلو صلاتي قبل أن أنام. وجدت في ما حفظته من «مزامير» محمود درويش، خير ما أختم به يقظتي.

«نحن الواقفين على خطوط النار
أحرقنا زوارقنا وعانقنا بنادقنا
سنوقظ هذه الأرض التي استندت إلى دمنا
سنوقظها، ونخرج من خلايا ضحايانا
سنغسل شعرهم بدموعنا البيضاء
نسكب فوق أيديهم حليب الروح كي يستيقظوا
ونرش فوق جفونهم أصواتنا:
قوموا ارجعوا للبيت يا أحبابنا...
(وأحسست بدمعتين تنسحبان من عيني... وأكملت الصلاة):
قوموا ارجعوا للبيت يا أحبابنا
عودوا إلى الريح التي اقتلعت جنوب الأرض
من أضلاعنا
عودوا إلى البحر الذي لا يذكر الموتى ولا الأحياء
عودوا مرة أخرى
فلم نذهب وراء خطاكم عبثا
سندفع عنكم النسيان، نحميكم
بأسلحة صككناها لكم من عظم أيديكم...
فليس سواكم أرضاً نسمِّر فوقها أقدامنا...
عودوا لنحميكم
فمن دمنا إلى دمنا حدود الأرض
من دمنا إلى دمنا سماءُ عيونكم وحقول أيديكم
من دمنا إلى دمنا...
«إلى دهر الداهرين... آمين».
غفوت.. وفي الغد، كان يوم آخر.

XIV الصباح رباح... إلى فلسطين خذوني معكم

ضيوف جدد إلى الموقع. عناق وفضول: من القادمان؟ الأول: ضابط في غرفة العمليات والثاني مسؤول قطاع خلفي. أنا طامح بمعرفة ما يتاح من أمور استراتيجية وعسكرية، وهما يستدرجاني إلى السياسة.

هربت إلى السؤال: لدي ثلاث مسائل: أولا: القضايا ذات الطابع الانساني. عدم نقل الجرحى من أرض المعركة مأساة. ألا يجب أن يكون لدى المقاومة خطة لإخلاء الجرحى؟ أليس لديها توجه لتوظيف تأثيرها، لوضع المؤسسات الدولية أمام مسؤولياتها، لحماية طرق الصليب الأحمر والهلال الأحمر؟ ثانيا: لا يمكن الاعتماد دائما على محبة واحتضان الأهالي في الجنوب. أين الملاجئ والمستوصفات. للاحتمال حدود. المجازفة بضمانة تأبيد الأهالي برغم التضحيات غير المتوفرة. ثالثا: وهنا بيت القصيد: متى لا تعود السماء اللبنانية مستباحة. ستصبح المقاومة كالجيوش العربية، تتقدم على الجبهة بلا غطاء جوي فعال. هل يمكن الاستمرار من دون تأمين حماية جوية للأهالي، فلا تدمر بيوتهم ومحالهم، وحماية للمقاتلين، ليتحولوا من عناصر دفاع إلى عناصر قادرة على الهجوم واختراق الحدود. وتحرير أراض فلسطينية؟

الجلسة كانت على الترويقة: شاي. لبنة. أجبان. خضار. بعض اللحوم الطازجة. وحده الجالس للمراقبة، يدير ظهره لنا. باءت تنبؤاته بالفشل. كان يتوقع اختراقا أو هربا لعميل. الصباح رباح. إننا نرى، بغير أم العين، وبوضوح تفاصيل الحياة اليومية للجنود والعربات وطريقة تكنيس الطرق الترابية ودوريات المراقبة، والشريط الشائك «الإلكتروني».

قال الضابط: لا تنتظر ان نعوّل على الهيئات الدولية. الهيئات الانسانية عاجزة عن مساعدتنا او حتى مساعدة الأهالي. قانا حدثت، وكان الأهالي في كنف المواقع الدولية. قانا الثانية، كذلك. لم تتحرك سيارة للصليب الأحمر، برغم الحاجة الماسة، لأن العدو كان يقصف كل ما يتحرك. تراث المؤسسات الانسانية الدولية غير مشجع. لا نعوّل على العالم. نسيناه. انه خلفنا. علينا ان نقلّع شوكنا بأيدينا. القوانين الدولية سارية المفعول، بما له علاقة باسرائيل. العالم أخرس أطرش أعمى. «سعدان ومكتّر». دمرت اسرائيل برج المراقبة التابع للأمم المتحدة. قتل نيباليون وصينيون، وصمت العالم. لو أن اسرائيل ضربت إسبان أو فرنسيين، لقامت القيامة تصريحا، ثم لا شيء.

هل نسيت يا أستاذ مجزرة المنصوري؟ ألا تعرف أنهم ضربوا المستشفيات والمراكز الصحية وهدموا بعضها على من فيها؟ ألا تذكر مجزرة الصليب الأحمر في صور وسقوط 25 شهيدا.

عندما يقاتلك العالم، عليك ان تهتم بجرحاك وحدك. والعناية الإلهية حاضرة لتكفل جراحنا.

كأنني اقتنعت... وكأنني لم أقتنع. فاذا كان العالم قد تخلى عنا، فأين الدولة اللبنانية، وأنتم شركاء فيها؟ لا جواب. كأن الدولة اللبنانية من هذا العالم الذي تخلى عنا.

وكيف نحمي سماءنا؟
قال الضابط: الله كبير. استطاع الاخوان اختراع عدد من الطرق لتضليل الـ أم كا. اخترعوا ما يشوش عليها. موّهوا إلى درجة لم يكن المقاتل يعرف نفسه. التصقوا بالأرض. بالشجر.

قلت: ولكن ذلك ليس كافيا؟
أجاب: أنت تحرجني وتريد ان تعرف شيئا عن المستقبل. وتحديدا عن الصواريخ.

قلت: معرفتي ليست لحشرية الصحافي، بل للاطمئنان. فأنا أتخيل دائما، وهذا من حقي، أن المعركة القادمة، قد تفضي إلى ضرورة اجتياز الشريط الحدودي، والدخول إلى مستعمرات والاقامة فيها. وعندها، لن يتمكن العالم كله من اخراج المقاومة، حفاظا على أرواح المستوطنين فيها، وقد يتغير وجه الصراع.
التفت إليّ وقال: طمّن بالك. هناك مفاجآت كثيرة: في الحرب الأخيرة افصحنا عن مفاجأة بحرية. وأثبتنا قدرتنا على المواجهات الميدانية في وادي الحجير، وهذه السماء ستصبح محمية ان شاء الله.

قلت له: يعني في صواريخ تمنع الطائرات؟
قال: طمن بالك.

لم أطمئن: أنا توما. أريد أن أرى بإصبعي.

قال: خلص. طمّن بالك. ستراها بأم العين، في الوقت المناسب. وتساءلت: متى يكون الوقت مناسبا. كبتّ حشريتي. وقلت: الله يطمنك.

وعاد الضابط إلى السياسة، فيما المسؤول معه، يلوم الاعلام، ويؤكد على مسألة الإيمان. قلت له. أعرف ما للإيمان من قوة. واستشهدت بالانجيل: «من كان له ايمان بمقدار حبة الخردل، وقال لهذا الجبل ان ينتقل، فسينتقل». الايمان يصنع المعجزات. ولكنه لا يفيد بدون سلاح فعّال.

عبث. الاتكال على الله مطلق. وأنا القليل الإيمان، اتكالي على ما يحمله الانسان، ويصنعه ويتدبر به أمره. لعلهم على صواب أكثر مني. ولكني من سلالة توما، من زمان بعيد.

طالت الجلسة... انها الساعة. لا بد من تدبر ما تبقى من البرنامج. شلحنا بزاتنا العسكرية، وخرجنا بطريقة معتمة في وضح النهار. لا نرى خلفنا او قدامنا. السيارة محكمة الاغلاق. ثم، استقللنا سيارة أخرى واستعدنا المواقع والمناطق و... إلى ان بلغنا نقطة الانطلاق. لكن السائق لم يتوقف. أشرت إلى أن سيارتي مركونة هنا. قال: بعدين. عنا مشوار صغير. أطعت. ودخلت السيارة في طرقات ومنحنيات ومنعرجات، Demi tours، مرة إلى الأمام ومرة إلى الخلف، إلى ان بلغنا مكانا حرجيا.

ـ تفضل معنا.
الحرارة تكوي. أنه شهر آب. والطريق الجبلية حرجية وعرة. حاول ان يمسكني بيدي كي لا أقع. تجالدت. صعدنا وصعدنا... ومن كان أمامي كان يسبقنا ليستكشف أو لكي يقصر المسافة المعتادة. وبعدما كادت أنفاسي تنقطع عن جد، توقفنا لنرتاح، فإذا بباب من تحت الأرض ينفتح وبدأ الشرح... دخلنا... وبدأت الدهشة... لن أضيف أكثر من ذلك. قالوا لي، هذه هديتك قبل عودتك. أنظر وتأمل وثق واطمئن.

فرحت كطفل رأى لأول مرة دمية بين يديه. لم أصدق ما رأيت. وتذكرت معركة المواجهة في موقع قرب يارون. ثم تذكرت ما قاله الضابط عن أن السماء لن تكون هذه المرة مسرحا للطائرات الاسرائيلية. وأكتم القول على كل ما قيل وما شاهدت.

عندما انتهينا. وخرجنا من المكان... عاد إليّ الإيمان الذي سجلته في كتابي «حوار الحفاة والعقارب». المستقبل العربي، بل مستقبل الأمة، يكتب من هنا. و«الانتصار الإلهي»، رهن بأن يكون الله واحدا في كل المذاهب والأديان والطوائف. وإن لم يكن كذلك، «فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق أو إنكاره». وهنا، آيات القوة بيّنات. وما رأيته شاهد على ذلك.

عدنا إلى نقطة الانطلاق. ودعني من أصبحا صديقين لي على أمل اللقاء، وأسرَّا لي باسميهما، وأعطيانا أرقام هواتفهما. وتواعدنا على أن نلتقي.
سألوني: شو انطباعك يا أستاذ.

ها أنذا أنهي كل ما كان لدي من انطباعات.

ولما غادرت المكان، صدحت بصوتي الأجش، رتّلت أغنية أم كلثوم التي غنتها بعد الخامس من حزيران، وأهدتها إلى الثوار: «إلى فلسطين خذوني معكم».

12 أغسطس 2009

هل تمزح يا ناتانياهو؟

مزاج الشارع الصهيوني في مواجهة التهديدات الإسرائيلية للبنان:هل تمزح يا ناتانياهو؟

إذا حصلت حرب جديدة، فأنا مع لبنان ضد "إسرائيل"!

قاسم ريا

هذا ليس كلاماُ صدرعن مواطن في الضاحية الجنوبية لبيروت، بل كلام لمستوطن في وسط تل أبيب ، تعقيباً على مقال لصحيفة "هآرتس" الاسرائيلية بعنوان (حزب الله : نحن مستعدون للتصدي لأي عدوان اسرائيلي) .
ويظهرجليّا من خلال التعليقات والملاحظات التي طرحها العديد من القرّاء اليهود والأميريكيين على الموقع الإلكتروني للصحيفة العبرية - أكان في كيان العدو أم في الولايات المتحدة - التخوف الشديد من عدوان اسرائيلي جديد على لبنان في ضوء الحملة الاعلامية التي يروج لها قادة العدو بهذا السياق .
أول تعليق على الخبر كان "هل تمزح يا نتانياهو؟" في اشارة إلى الصدمة من التصعيد الإعلامي ضد لبنان والذي اظهر نتنياهو بصورة الأحمق أمام مستوطني كيانه الغاصب، وتلته دعوات ثم دعوات .. لعدم تكرار أخطاء الماضي بدءاً من عام 1982 والإجتياح الإسرائيلي أو "الخطأ الأكبر" كما وصفه أحد المستوطنين، وحتى حرب تموز 2006 والتي شكّلت الضربة القاضية، لحلم اعادة الاعتبار لـ "اسرائيل" وقدرتها على الردع ..

من ألمانيا، يقول احد المعلقين إن على "اسرائيل" أن تدرك التغيرات التي جعلت الحاضر مختلفاً كثيراً عن الماضي، وأن قرار شن الحروب لم يعد قراراً منفرداٌ تتخذه ساعة تشاء، لأن ما في أميركا يكفيها من مشاكل مع دافعي الضرائب، الذين يسعون يوماً بعد يوم لتقليص ما يدفع سنوياً لكيان العدو، فكيف بحرب جديدة؟

هذا التصعيد ليس لمصلحة "إسرائيل"، كما يقول أحد المعلقين من أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية. "فنتنياهو رجلُ دائم السعي للإنتقام، وحلمه الوحيد أن يعرف بالأرقام عدد العرب الذين سيقتلهم.. قبل أن يُقتل !"

بدوره يقول أحد المعلقين الصهاينة: "لا يمكن أن نصدق كل تصريح يصدرعن حكومتنا، لأنه عاجلاً أم اَجلا يتم نفيه رسميّاً". وهذا بعد تعليق يسخر من "الأغبياء" الذين لا زالوا يصدقون اكاذيب نتنياهو، موضحاً أن الضجة الإعلامية هذه مجرد وسيلة لإلهاء الرأي العام الصهيوني عن الفشل المتزايد وقضايا الفساد التي تعصف بحكومة العدو.

و يظهر جليّا حجم المخاوف في الشارع الإسرائيلي، الذي يرفض تصديق ما يسمع، بل لا يجرؤ على التصديق .

فقد علّق احد القرّاء بإسم " bbc news " قائلاً : "إسرائيل" لم تلتزم بدورها في تطبيق خارطة الطريق، و -بيبي- * في اشارة إلى بنيامين نتنياهو* يقوم بجرّ "إسرائيل" إلى الخطأ، وهو مدرك أن ساعة "إسرائيل" و حكومته تدقّ، فيقوم بخلق هذه التوترات و الضجة الإعلامية ملوّحاً بحرب جديدة، عنوانها" مزارع شبعا" و هي على فكرة، تخص لبنان.. لا "إسرائيل" .

لفتة مضحكة مرّت في احد التعليقات، حيث يقول مستوطن يهودي لقّب نفسه ب "الراباي" - نحن بضعة ملايين، و هم ستة مليارات، أجروا العملية الحسابية، لن نتمكن من السيطرة على العالم! - ويتبعه اخر قائلا: "لا نريد حرباً أخرى مع حزب الله، وعدنا بالفوز في الحرب الماضية و لم نحقق شيئاً، سوى 20 الف مهاجر رحلوا من دون عودة، وبيبي لم يذق طعم البقاء تحت الأرض ولم يشاهد الجنون عند اطلاق صافرات الإنذار! وما ادرانا، ربما يراها هذه المرّة!"
وعلّق احد القرّاء من المستوطنين قائلا: يدعوننا لعدم السفر إلى سيناء لأنها تشكل خطراً علينا، والخطر الفعلي هو في منازلنا ومدننا، كفى حماقة يا "بيبي"، دعنا نعيش بسلام .
هذا هو باختصار حال الهلع الذي يصيب المستوطنين الصهاينة امام اي تصريح لقادة كيانهم يتهدد لبنان بحرب جديدة ، فبدل ان يوجه الى المقاومة وجمهورها ترتد تداعياته الى داخل الكيان الصهيوني ولا تبلغ الحدود مع لبنان


21 يوليو 2009

الشمس وراء السحاب !

هلال شوال ما يزال مبتسماً فقد اشرق زمن الحرية ، وانتهى الى أمد ليل الطاغية الطويل . .
الخليفة الجديد يتخذ قرارات تنم عن ارادة في أن يسود الخير والسلام ربوع البلاد . .
ولكن لعنة غامضة ما تزال تطارد الشاب الذي أقدم على اغتيال والده في تلك الليلة الخريفية من سنة 861 م .
عمت الفرحة انحاء البلاد وكان أكثر الناس فرحاً العلويون الذين ابتهجوا بالسياسة الجديدة . .
فقد الغيت الاجراءات التعسفية كما اطلقت جميع أموالهم المجمدة وافرج عن السجناء الذين اعتقلوا لتهم واهية ، أو بسبب زيارة مرقدي الإمام علي في النجف ونجله سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الامام الحسين في كربلاء .
وخلال فترة وجيزة تم بناء مرقد الامام الحسين الذي ظل طوال عقد من السنين ارضاً زراعية وتكربها وتجوسها ثيران الحراثة كل عام .
احدث سقوط الطاغية دوياً كبيراً هز المجتمع الاسلامي وكانت سامراء التي هي مركز الزلزال في طليعة المدن التي هزها الحادث .
على أن الدفء الذي غمر الأرض بعد شتاء قارس لم يدم طويلاً فلقد اسفر المشهد الجديد عن وجود قوى تريد كسب المزيد من الثراء والنفوذ والسلطان .
فقد وجد « محمد المنتصر » نفسه محاصراً في قصره بسامراء . .
كل ما استطاع فعله حتى الآن أنه أمر باخلاء العاصمة الجديدة « المتوكلية » بل وهدم جميع منشآتها ونقل مواد البناء الى سامراء فالمتوكلية مشروع فاشل ولد ميتاً لأن مشروع النهر الذي يعد شريان حياتها كان فاشلاً فتحققت نبوءة الرجل المبارك « علي بن محمد » .
نحن ، الآن في نهايات عام 247 هـ مطلع العام الميلادي الجديد 862 م . . وزعماء الحركة الانقلابية من ضباط الحرس والجيش الاتراك قد بلغوا ذروة نفوذهم ويريدون الآن تحقيق اكبر ما يمكن من التسلط « وصيف » « بغا الشرابي » « أوتامش » و « باغرا » ، وقد ظهرت شخصية انتهازية ظهور النباتات المتسلقة تلك هي شخصية رئيس الوزراء الجديد « احمد بن الخصيب » وقد بدا واضحاً أنه قد كسب ثقة الاتراك .
المشهد الآن داخل القصر . . خليفة شاب في الخامسة والعشرين من العمر ، يمتاز برجاحة عقل وحسن تدبير انه يفكر بانقاذ الخلافة من براثن النفوذ التركي المتسلط . . واستعادة المجد العباسي . .
أربعة ضباط اتراك يضمر كل منهم للآخر الكيد ويحاول افتراس صاحبه قبل أن يفترسه ، فيما ظهر ابن الخصيب حرباء تتلون حسب الظروف وأفعى تنفث سمها وحقدها في كل اتجاه .
أما بغا الكبير فقد كان يخطو خطواته الأخيرة نحو القبر بعد أن ذرف على التسعين . . لقد اكتفى بمساندة الاتراك وتأييد الحركة الانقلابية فقط . . ما دام ابنه بغا الصغير المعروف بالشرابي أحد قادتها ومنفذيها .
شعر المنتصر أنه ارتكب خطأ فادحاً بتعيينه أحمد بن الخصيب رئيساً للوزراء ، خاصة بعد أن تناهت اليه حادثة مؤلمة (1) أثارت استياء الناس .
كان المنتصر قد كسب شعبية ومحبوبية بين الناس بسبب سياسته المعتدلة وتخفيفه من محنة العلويين ولكن ثمة أشياء كانت تلقي ظلالها على وجه المنتصر أنه في كل الاحوال قاتل أبيه ، وقاتل الأب لكن يكون طيباً في نظر الناس مهما تفانى في طيبته ! ان سياسة رئيس الوزراء ونفوذ الزعامات التركية قد اصبح واقعاً مريراً يحس بوطأته الشعب ، وكان المنتصر يدرك ذلك جيداً ،
ولذ اجتاحته مشاعر الندم المريرة منذ بدء العام الهجري الجديد الذي أطل مع ربيع سنة 862 هـ .
واضحى قصر « المحدث » بؤرة للمؤامرات والدسائس من جديد ، وما أثار مخاوف الاتراك ان المنتصر قد اصبح كئيباً يعاني من موجات حزن تنتابه بين فترة وأخرى .
كان قمر محرم الحرام بدراً بهياً ، ولم تفلح نسائم آذار المنعشة في أن تدخل البهجة على النفس المعذبة . . . « المنتصر » يعيش احزانه وحيداً تحاصره مشاعر الندم . . ما الذي فعله ؟ ! . . ان كل شيء كان يحلم في تحقيقه يتحطم على صخرة التعسف التركي البغيض . . هؤلاء القتلة الذين مزقوا أبي إرباً ارباً فعلوا ذلك لكي تصبح الخلافة العوبة بايديهم . . ها أنا اصبح دمية في أيديهم . . واجتاحته موجة من الغضب فغمغم ولكن باصرار :
ـ سوف أمزقهم جميعاً . . قتلني الله ان لم اقتلهم وافرق جمعهم (2) !
لكنه يشعر باليأس . . اليأس من الاصلاح وكيف يمكنه مقاومة العاصفة المجنونة . .
ان هؤلاء الاجلاف قد استعذبوا التسلط . . سيوفهم في أيديهم . . والخناجر ؛ واسهل ما عندهم ذبح الانسان من الوريد الى الوريد . . الذين يعرفون « المنتصر » يعرفون مأساة الذي اكتشف أنه لم يحصد سوى الريح . .
في المساء امتطى المنتصر حصانه والهبه بالسياط فانطلق به نحو الافق البعيد لكأنه يريد الهرب لا يدري الى أين ؟ ! وعندما عاد الى القصر كان يتصبب عرقاً (3) فألقى بنفسه في إيوان كانت تهب خلاله نسائم باردة .
القصر يكاد يكون مهجوراً ذلك المساء . . ولم يكن أحد يستطيع الاقتراب من المنتصر هيبة له . . انه يفضل أن يكون وحيداً مع احزانه وعذاباته . .
لم يغف المنتصر طويلاً حتى هبّ من نومه مرعوباً . . يبكي . . تطارده اشباح مخيفة . .
ونهض من مكانه يدور في أروقة القصر لكأنه يبحث عن شيء وعندما وقعت عيناه على أحد موظفي القصر قال له بحزن :
ـ اين ذلك البساط (4) ؟
وأدرك أيوب قصد الخليفة :
ـ عليه آثار دماء فاحشة . . وقد عزمت أن لا أفرشه من ليلة الحادثة .
قال المنتصر :
ـ لم لا تغسله وتطويه ؟
ـ اخشى أن يشيع الخبر عندما نفرشه ؟
قال المنتصر بمراراة :
ـ وهل تظن ان الحادثة بقيت سراً . . ان الأمر اشهر من ذلك . .
تنفس العلويون الصعداء . . في الحجاز . . والعراق . . ولأول مرة ومنذ اكثر من ربع قرن زالت عنهم هواجس الخوف والتشرد ، وذاقوا حلاوة الأمن والحرية . . وفي هذه الفترة الوجيزة تحسنت اوضاعهم المعيشية ، وشد بعضهم الرحال الى العاصمة سامراء . . خاصة بعد إعادة « فدك » تلك الأرض الزراعية الخصيبة وكانت « حكيمة » شقيقة الامام علي الهادي في طليعة الوافدين وقد جاءت مصطحبة معها ابن الامام الاكبر محمد الذي يكنى بأبي جعفر وله من العمر ثمانية عشر عاماً .
وتمكنت السيدة حكيمة من شراء بيت قريب من بيت شقيقها الحبيب . . وبدا للكثير منهم أن الزمن يبتسم لأبناء علي بعد عبوس طويل . . ولكن الى حين .
فلقد بدا واضحاً أن القادة الاتراك يمسكون بقبضات فولاذية على مقاليد الحكم ، وسكنت حمى النفوذ وشهوة الحكم نفوسهم .
فقد تستحيل همسة في البلاط الى هاجس مخيف ، وكان المنتصر يدرك سوء الاوضاع فاقدم على خطوة جريئة ، عندما
وصلته انباء مؤكدة عن تحركات عسكرية بقيادة الامبراطور تيفوئيل تستهدف اجتياح مدن مصر الساحلية . .
ولذا استدعى وصيف قائلاً له :
ـ ان طاغية الروم يهدد حدودنا بغزو وشيك . . وليس هناك من يستطيع صده إلا أنا أو أنت فما رأيك . . فاما أن تتوجه أنت أو أنا ! !
قال وصيف :
ـ بل أنا !
وهكذا بدأت الاستعداد على قدم وساق في تجهيز حملة عسكرية لصد الغزو الرومي القادم .
وقد ورد في وثيقة الحملة إجراء اثار هواجس « وصيف » وهو ضرورة مرابطة وصيف في الجبهة الشمالية مدة أربع سنين وستكون عودته بتصريح من الخليفة نفسه (5).
وقد لقيت هذه الخطوة ترحيباً من قبل ابن الخصيب بسبب عداء شخصي مع وصيف (6) .
ولكن حالة المنتصر النفسية فيما يبدو كانت تتدهور نحو الأسوأ . . واستحالت لياليه الى كوابيس .
وكان دائم النظر الى السجادة التي شهدت مصرع أبيه يتأمل في بقع الدماء التي لم تفلح المياه في ازالتها تماماً . .
وما ضاعف فجيعته صور ونقوش بالفارسية أثارت اهتمامه وفي إحدى دوائر السجادة الفارسية فارس متوج تحيطه كتابة فارسية فسأل عن معناها . .
قطب المترجم حاجبيه واعتصم بالصمت . . ولكن المنتصر اصر على ترجمتها فقال المترجم :
ـ الكتابة تقول : أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز . . قتلت أبي فلم اتمتع بالملك إلا ستة اشهر .
واجتاحت المنتصر موجة من الحزن المرير ، فجلس عند الصورة فيما غادر الجميع المكان . .
أثارت هذه التصرفات هواجس الاتراك ، فقد ينتقم المنتصر لأبيه وكان ابن الخصيب يزيد من مخاوفهم من وجود « المعتز » و « المؤيد » فهناك ميثاق رسمي يقضي بانتقال الخلافة الى المعتز في حالة موت المنتصر !
وفي مطلع صفر عاد وصيف الى سامراء بذريعة واهية وبدأ التخطيط لدفع المنتصر الى خلع المعتز والمؤيد من ولاية العهد .
في البداية قاوم المنتصر هذه الضغوط ولكنه شعر أن رفضه لذلك سيؤدي الى تفكير الاتراك باغتيال أخويه سيما وأن الظروف السياسية السائدة مواتية .
القي القبض على الاميرين « المعتز » و « المؤيد » ليلاً ونقلا الى حجرة في القصر . .
تساءل المعتز بعدما أغلقت عليهما الباب :
لم تراه أحضرنا ؟!
قال المؤيد الذي أدرك ما يجري :
ـ يا شقي للخلع .
ـ لا أظنه يفعل ذلك !
ـ يا شقي هو نعم . . ولكن هؤلاء الاتراك !
في الاثناء فتحت الباب ليدخل مبعوث رسمي من قبل البلاط ومعه كاتب لضبط وتدوين ميثاق التنازل عن ولاية العهد .
بادر المؤيد للموافقة فوراً :
ـ السمع والطاعة .
ولكن المعتز قال :
ـ لن أفعل ذلك !
لكزه المؤيد قائلاً :
ـ انه القتل اذا لم تفعل !
قال المعتز مخاطباً :
ـ ابلغه بذلك .
ـ اشار المبعوث الرسمي الى جلاوزته ، فانقضوا على المعتز وجره ليوضع في حجرة أخرى . .
سمع المؤيد بكاءً ـ يأتي من الحجرة التي أودع فيها أخوه فصاح بالشرطة :
ـ ماذا تفعلون يا كلاب ؟! دعوني اكلمه .
وجاءت الموافقة على اللقاء ، فدخل المؤيد على أخيه وربت على كتفه فكف عن البكاء . . قال المؤيد :
ـ يا جاهل لماذا تقتل نفسك . . اتظنهم لا يفعلون ذلك وقد قتلوا اباك وهو هو . . .
ـ وماذا تريدني أفعل ؟! اخلع نفسي وقد انتشر ذلك في الآفاق ؟ !
ـ الخلع أفضل من القتل .
سكت لحظات ثم استطرد قائلاً :
ـ اذا كان الله قد كتب لك أن تكون خليفة فستكون نصيبك .
استسلم المعتز .
تم ضبط محضر في تنازل الاميرين اللذين أمرا بتسليم وثيقة التنازل الى الخليفة في حضور القادة الاتراك .
قال المؤيد :
ـ نجدد ثيابنا ؟
قال الموظف المسؤول :
ـ ولم لا . . ولكن هنا . . سوف نحضر ما تطلبان من ثياب !
تم اللقاء في جو متوتراً نسبياً ، سلم الاميران على الخليفة الذي رحب بأخويه . .
تساءل المنتصر :
ـ هذا كتابكما ؟ !
سكت المعتز فقال المؤيد مستدركاً الوضع :
ـ نعم يا أمير المؤمنين .
والتفت الى أخيه قائلاً :
تكلم :
غمغم المعتز :
ـ نعم يا أمير المؤمنين . . كتابي وتوقيعي :
قال المنتصر بشجاعة :
ـ اتظنان انني خلعتكما طمعاً في أعيش حتى يكبر ولدي ؟ !
لا والله .. ولكن هؤلاء ..
وأشار الى الاتراك مستأنفاً :
ـ الحوا عليّ في خلعكما .. فخفت أن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم بحديدة فيأتي عليكما ..
وأدرك الأخوان أن المنتصر لا يعرف الخداع ولذا بادرا الى تقبيل يديه لكنه ضمهما الى صدره بحبّ .
وقام رئيس الوزراء الذي كان يبتسم بارتياح بتحرير (7) وثيقة التنازل لتعميمها على جميع ولايات الدولة الاسلامية المترامية الأطراف .
سيطرت حمى الهواجس على القصر حيث يقيم الخليفة الذي مضت على حكمه خمسة أشهر ، وما زالت روحه المعذبة مثقلة بمشاعر الاثم .. وبدأت لقاءات الاتراك تتخذ طابع التوجس من اجراءات الخليفة الذي قد ينقض عليهم في لحظة ما ..
ومن يرى القائدين « وصيف » و « بغا الشرابي » لابد وأن يدرك انهما ما يزالان يحكمان بقبضة حديدية على مصير البلاد ، كما أنه سيكتشف من لقاءاتهما المستمرة أنهما بدءا يتوجسان من « المنتصر » الذي لا يمكن السيطرة عليه .
وكان يثير خوفهما أنه لا يمكن اغتياله فلقد كان « مهيباً » شجاعاً ، فطناً متحرزاً (8) ولذا بدأوا يفكرون بوسائل أخرى (9) .
الرواق الذي اتخذه المنتصر مجلساً له كان مقفراً فقد انطلق الخليفة المعذب ينهب ميدان الخيل بحصانه امعاناً في الفرار .. كان بغا ووصيف يتمشيان خلال أروقة القصر عندما صادفهما موظف في القصر يعمل كاتباً في ديوان جيش الشاكرية (10).
قال الموظف وكان يتقن الفارسية :
ـ ألم يجد الفراش بساطاً غير هذا ليفرشه تحت أمير المؤمنين ؟
قال وصيف :
ـ لماذا ؟!
ـ فيه صورة شيروية قاتل أبيه « أبرويز »
وتبادل القائدان نظرات ذات معنى ، قال بغا بعدها :
ـ يجب أن يحرق حالاً !
لف البساط بسرعة وقبل أن يعود المنتصر ليحرق في حضرة القائدين ، وكانا ينظران الى وهج النار والى الذهب قد بدأ يسيل براقاً تحت السنة النار والدخان (11) .
عاد « المنتصر » من رحلته اليومية منهمكاً ولفت نظره وهو يلج الرواق وجود بساط جديد ..
فاستدعى الفرّاش قائلاً :
ـ أريد أن تفرش نفس البساط :
قال الفرّاش :
ـ ومن أين آتي به ؟!
قال المنتصر :
ـ وماذا حصل له ؟
ـ ان وصيفاً وبغا أمراني بإحراقه .
سكت المنتصر وانطوى على جراح لا تندمل .
وبدا واضحاً خلال تلك الفترة العاصفة ان بغا الشرابي أو بغا الصغير هو الحاكم الحقيقي بالرغم من استبسال المنتصر في استعادة قدرة الحكم ..
وكانت الأمور تجري وفقاً لأهواء القادة الاتراك الذين كانوا يلاحقون شخصيات العهد البائد ..
وكان بعض الاشخاص يختفون في ظروف غامضة ولا يعرف أحد عن مصيرهم حتى « محبوبة » جارية المتوكل الأثيرة لم تسلم من التصفيات فقد استدعيت للغناء فرفضت فاجبرت على ذلك لكنها غنت بلحن حزين وذكرت ليلة اغتيال سيدها ، فأصدر وصيف أمراً بسجنها .
وانقطعت اخبارها من ذلك الوقت (12) !
وفي تلك المدينة التي نسى أهلها الله كان الامام الهادي ينظر الى الأفق البعيد ويرى حمرة الشفق الملتهب .. ويرى سحباً داكنة قادمة .. سوف تغمر الظلمات الأرض .. وقوافل البشر الحائرة وقد تاهت بها السبل .. وفيما كانت أصوات الغناء والموسيقى تتسرب من نوافذ القصور .. كانت تمتمات الدعاء تتعالى من منزل في « درب الحصا » حيث يقطن الامام منذ خمسة عشر عاماً .
عاد كافور الخادم متعباً وقد دفعته نفحات الهواء البارد في تلك الليلة التي اشتد فيها هبوب الرياح الشمالية ، الى أن يدس نفسه في الفراش .. يتوجب عليه في هذا الوقت أن يأتي بسطل من الماء من السرداب واعداد الوضوء لسيده الذي يتهيأ عادة في مثل هذا الوقت لأداء صلاة الليل ..
لكن دفء الفراش وأمنه عقوبة السيد كانا يدفعانه الى تناسي مهمته الأخيرة ..
لم يكن قد أغمض عينيه عندما تناهت اليه خطى تتجه الى حجرته ..
قال الامام بلهجة فيها عتب .
ـ ألا تعرف رسمي ؟ .. أنني لا اتطهر إلا بماء بارد فلم سخنت لي ماء ؟!
فوجىء كافور وقال بدهشة :
ـ ولكن يا سيدي لم آت بالماء أصلاً !!
نظر الامام عبر الباب المشرعة الى السماء وقال :
ـ الحمد لله .. والله ما تركنا رخصة ولا رددنا منحة ..
الحمد لله الذي جعلنا من أهل طاعته ووفقنا للعون على طاعته .
وامتلأت نفس كافور اجلالاً لهذا الانسان الطاهر الذي عبد الله وحده فأكرمه الله بماء دافىء تحمله الملائكة (13) !
مضت ساعة من الليل وتناهت طرقات متواليات على باب المنزل الغارق في سكينة الليل ..
كان الطارق « يونس النقاش » .. يرتجف ولكن ليس بسبب البرد افسح كافور الخادم ليدخل المنزل .. لابد وأن الأمر جدّ خطير !
قال يونس وهو يرتجف :
ـ يا سيدي أوصيك بأهلي خيراً !
قال الامام :
ـ وما الخبر ؟
ـ عزمت على الرحيل .
مبتسماً قال الامام :
ـ ولم يا يونس ؟
ـ وجه بغا الصغير اليّ بفص ثمين لا تعرف له قيمة وطلب مني أن انقشه فانكسر نصفين .. والموعد غداً وهو من تعرف ياسيدي !! إما ألف سوط أو القتل .
قال الامام مهدئاً :
ـ امض الى منزلك الى غدٍ فما يكون إلا خيراً .
ـ وماذا أقول لرسوله ؟!
ـ اسمع ما يخبرك به ، فلن يكون إلا خيراً .
ابتسامة الامام وعيناه اللتان تتألقان بنور شفاف بعثت الدفء في قلب الرجل الخائف الذي انقلب الى أهله .. انه يعرف الامام يعرفه من سنين طويلة .. رجل مبارك كلما التقاه في الطريق .. يتفتح في قلبه الأمل في الحياة .. ما تزال الدنيا في خير ..
وما يزال هناك قلب ينبض بحب الناس جميعاً .
وفي صباح اليوم التالي .
كان يونس منطلق الوجه قال لكافور وقد استفسره عما حصل :
ـ جاءني الرسول يقول : ياسيدي .. الجواري اختصمن ، فهل يمكنك أن تجعله نصفين ونضاعف لك الأجرة ؟
ـ وبماذا اجبته ؟
ـ قلت له : أمهلني حتى أتأمل كيف أعمله (14) .
وضحكا معاً ، وكان ينبوع يتدفق حباً للإمام .
الجواسيس المبثوثون في القصر وخارجه وهم يعملون لحساب القائد « وصيف » كونوا صورة مخيفة عن « المنتصر » .. هناك خطط مبيته للخليفة تستهدف تمزيق الاتراك في أول فرصة ، وما زاد هذه المخاوف أن المنتصر ربما تحدث ذلك علناً وربما تفجر غضبه المخزون في نظرة شزراء يلقيها كلما رأى قائداً تركياً مرموقاً (15) .
ولذا كان الأتراك قد بدأوا يفكرون في اغتيال المنتصر والفتك به قبل أن يفتك بهم .. ولكن كيف ؟!
سؤال صعب جوابه على الاتراك فالمنتصر من اليقظة والشجاعة ما يصعب فيه اغتياله ولكن هناك نقطة ضعف يمكن استغلالها ان المنتصر يعيش حالة مدمرة من الندم واليأس ولم يكن ينظر الى المستقبل بأمل ، لكن بركان الغضب الذي انفجر في تلك الليلة العاصفة خمد فجأة استحال الى رماد تذروه الرياح .. أنه يعاني حالة مريرة من الندم وهذا ما جعل القادة الاتراك يتوجسون منه .. لكنه لم يفكر في تكوين حرس خاص وكانت سياسته المالية المتزنة وابتعاده عن مطاردة مناؤيه من رجال العهد البائد وعدم امتلاكه لشبكة من الجواسيس سوف يسهل من عملية اغتياله بطريقة ما !
صحيح أن الناس بدأوا يميلون اليه ويحبونه ولكن ما فائدة هذا الحب ما دام الناس لا يملكون سلاحاً للدفاع عنه ولا يمكنهم حراسته أيضاً .. ان القوة الضاربة ما تزال في ايدي الاتراك .. قوات الحرس والجيش ما تزال في قبضة القادة الاتراك .. وكلهم مقتنعون بضرورة التخلص من المنتصر .. باستثناء بغا الكبير فهو الوحيد الذي يعارض ذلك .. لأن الخليفة القوي يساعد في اقرار النظام ومنع الفوضى ..
ولكن « وصيفاً » و « بغا الصغير » كانا يفكران بطريقة أخرى .. ان وجود خليفة ضعيف سوف يضمن للاتراك استمرار نفوذهم .. من أجل هذا كان يترقبان أول فرصة سانحة ..
وما دام كل شيء يباع ويشترى ، والذهب ما يزال يخطف العقول والابصار فلا وجود لشيء مستحيل !
كان المنتصر قد عاد من رحلته اليومية مكدوداً تماماً وبدا أنه قد أمعن في الفرار في الفيافي شرق سامراء وكعادته عندما تجتاحه موجة من الحزن المرير أوى الى عزلته ، والقى بنفسه على وسائد خضراء اللون مشوبه بنقوش حمراء .
كانت نسائم نيسان تدور خلال أروقة القصر وستائر حريرية
شفافة تميل مع النسيم الربيعي المفعم برائحة الورد .. ومع ذلك فقد كان المنتصر يتصبب عرقاً لكأنه يعاني من رؤيا تعذبه (16) .
شاء القدر أن يستيقظ المنتصر وهو يلتهب من الحمى مما استدعى الاتصال بـ « الطيفوري » الطبيب لاجراء فحوصاته .. اشتعلت في رؤوس الاتراك حمى التآمر ..
استقبل القادة الاتراك الطبيب قبل أن يدخل على المنتصر وكانت نظراتهم تحرضه بشكل واضح ، فأطرق برأسه ومضى .. أجرى الطيفوري بعض الفحوصات السريرية ، ونصح المريض بإجراء عملية فصاد للدم ، وتم الاتفاق على أن يجري ذلك بعد العشاء ..
عندما عاد الطيفوري الى المنزل وجد من ينتظر عودته ، كان الرجل التركي الذي يرتدي حلة من الديباج الاصفر ساكتاً .. واكتفى بان قدم ثلاثين الف دينار (17) .. انه اكبر مبلغ يراه الطبيب في حياته يستطيع أن يحيا بقية عمره في دعة من العيش .. يكفي أن يبضع المريض بمشراط مسموم (18) .. لم يصمد الطبيب أمام بريق الذهب ، وضجت نفسه بالوساوس فيما خفت صوت العقل الذي اغتاله بريق الدينار الذهبي ..
تمت الجراحة وقد بذل الطيفوري جهد الابالسة في اخفاء مشاعره أمام نظرات المنتصر الثاقبة ..
وعندما غادر القصر كان الطريق الى منزله تغمره ظلمة
كثيفة وشعر وهو في منتصف الطريق أن هناك من يطارد خطواته ..
لم يشعر المنتصر بأي تحسن ، وعندما تناول كمثرى (19) شعر بألم شديد في معدته ..
أمه تنظر اليه بحزن .. تبكي بصمت شباب ابنها .. لم يكن محظوظاً في الدنيا حتى أبيه كان يتآمر عليه .. وفي مثل هذا العالم المليء بالذئاب لا يعيش إلا من يكون ذئباً ..
قال المنتصر بأسى :
ـ يا أماه ذهبت مني الدنيا والآخرة .. عاجلت أبي فعوجلت (20) !
كفكفت الأم دمعة ثكلى .
ـ لقد كنت بي باراً ومع الناس طيباً .. ومع نفسك صادقاً كل الناس يموتون وقليلون الذين يواجهون الموت بشجاعة .
أغمض المنتصر عينيه وغط في اغفاءة عميقة فانسحبت امه بهدوء بعد أن طبعت على جبينه قبلة أودعتها كل أمومتها ..
في اليوم التالي طلب رؤية ابنه الصغير « عبد الوهاب » فقبله وتمتم بكلمات خافته أن يحميه الله من شرور الذئاب البشرية التي تعوي في قصره ..
وفي مساء يوم السبت الرابع من شوال سنة 248 هـ كان المنتصر يودع الحياة ..
أطل الهلال متألقاً في سماء حزيران الصافية الشاب المسجى ينظر بعينين فيهما أمل وهو يودع الدنيا الى عالم آخر ..
وراح يغمغم بشعر نبع من قلبه الكسير :

فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ولكن الى الرب الكريم أصير (21)

واغمض عينيه ليغفو بسلام ..
وبدأت الاستعدادات لمواراته الثرى حسب المراسم العباسية في دفن الخلفاء سراً .. ولكن والدته أصرت على إعلان قبره ليكون أول خليفة عرف قبره (22) .
وتم دفنه في الجوسق الخاقاني (23) حيث فتح عينيه على الدنيا فكان أول خليفة عباسي ولد في سامراء وتوفى فيها .
كشفت وفاة الخليفة المنتصر عن واقع الخلافة العباسية ومدى تغلغل الاتراك في أجهزة الحكم وسيطرتهم على البلاط العباسي الذي اضحى العوبة بين الضباط الاتراك .
لم يكن المنتصر قد دفن بعد حتى انفجر النزاع بين الاتراك الذين اجتمعوا في القصر الهاروني لاختيار الخليفة الجديد .
وفي يوم الأحد تم تحليف عشرات القادة الاتراك والزنوج وهم عماد الجيش والحرس بقبول الاتفاق الذي سيسفر عن اجتماع كل من بغا الكبير ، بغا الصغير ، ووصيف ، أو تامش أحمد بن الخصيب ، أما باغر الضابط التركي الذي قاد عملية اغتيال المتوكل فقد حرم من حضور الاجتماع فأجج ذلك في صدره مشاعر الحسد والحقد والكراهية خاصة لوصيف فانصرف الى تعزيز نفوذه بين الاتراك ، وتحريضهم على وصيف الذي لا يرى سوى مصالحه الخاصة والأنانية !
كانت فكرة بغا الكبير اختيار خليفة قوي يهابه جميع القادة لأن اختيار خليفة ضعيف سيؤدي تطاحن الاتراك فيما بينهم من
أجل النفوذ والسيطرة والاستحواذ على مقاليد الحكم ولكن أحمد بن الخصيب اقنع الجميع بأن مبايعة أحد أبناء المتوكل يعني نهاية النفوذ التركي فقد يفكر أحدهم بالانتقام منهم ثأراً للخليفة المقتول ..
وهكذا تم الاتفاق على اختيار أحمد بن محمد بن المعتصم .
فالمعتصم هو الذي أسس مجدهم وجعلهم سلاطين في هذه الدولة الكبرى ، وهو ولي نعمتهم .
لم تكن للخليفة الجديد من ميزة سوى أنه العوبة بيد الاتراك ، وفي مراسم عادية منح لقب « المستعين بالله » وحدثت حركة مضادة في سامراء يقودها بعض رجال العهد البائد وترمي الى فرض خلافة المعتز وتعرض موكب الخلافة الى هجوم زمر من المرتزقة والغوغاء (24) ، واستمرت الاشتباكات ثلاث ساعات وأعيد الخليفة الى القصر الهاروني وخلال القلاقل سقط أحد قصور الخلافة في أيدي الناس فنهبت خزانة الدولة ، وسطا الكثيرون على مشاجب السلاح وكسرت أبواب السجن الكبير .
ولكن الاتراك سيطروا على القلاقل باعلانهم عن توزيع المرتبات في مراسم البيعة العامة .
ولم تلبث قوات الجيش والحرس أن فرضت سيطرتها على الأوضاع .. ولكن الاجواء كان يسودها التوتر ..
وظهر المستعين خليفة مغلوبا على أمره يحفه أحمد بن
الخصيب رئيس الوزراء ومجموعة من الضباط الاتراك في طليعتهم أوتامش ، وصيف ، وبغا الصغير في حين غيب باغر التركي الذي انطوى على احقاده وكراهيته للجميع منتظراً فرصة مواتية للانقضاض على خصومه واثقاً من تأييد قطاعات كبيرة من الجنود الاتراك بزعامة « باكيباك » القائد التركي الجرىء .
قام الحكم الجديد بإجراءات احترازية منها القاء القبض على الاميرين المخلوعين المعتز والمؤيد فأودعا تحت الاقامة الجبرية في قصر الجوسق الخاقاني ووضعت عليهما حراسة مشددة ، ثم ارغما على بيع جميع ممتلكاتهما من أرض زراعية وبساتين مقابل أثمان زهيدة .
اما أحمد بن الخصيب فما انفك يحرض على مضايقة الامام الهادي وتشديد المراقبة على منزله بل واجباره على التنازل عن داره وبيعها للدولة (25) !
وبعث أحمد بن الخصيب في تلك الفترة رسالة الى محمد بن فرج يطلب منه الحضور الى سامراء والافادة من خدماته ، كان محمد بن فرج قد اطلق سراحه ، من السجن ولكنه لم يسترد ممتلكاته التي جمدت في عهد المتوكل منذ سنة 432 هـ
وكتب محمد بن فرج بدوره رسالة الى الامام الهادي يستشيره بقبول اقتراح رئيس الوزراء فجاءه الجواب :
ـ « أخرج ، فإن فيه فرجك ان شاء الله » (26) .
وعندما وصل محمد بن فرج سامراء حاول استرداد أملاكه المحجورة وعندما صدر القرار بإعادتها اليه كان قد توفى (27) .
وسقط بغا الكبير في فراش المرض وذهب اليه المستعين لعيادته ، ثم توفى في اليوم التالي وتحققت مخاوفه من وجود خليفة ضعيف ، فقد استحال القادة الاتراك الى ذئاب شرسة يأكل بعضها بعضاً ..
حضر احمد بن الخصيب الى منزل الامام الهادي وهدده اذا لم يتنازل عن الدار وتسليمها اليه ..
وكان ابن الخصيب لا يجرؤ على ذلك في عهد المنتصر وفي حياة بغا الكبير الذي عرف عنه احترامه للعلويين منذ الرؤيا التي رآها قبل اكثر من ربع قرن (28) .
وفي العهد الجديد بدأ العلويون بالفرار مرة أخرى .. وبدأ فصل جديد من مسلسل التشرد المرير .. وفي غمرة الاحداث غادر « علي بن محمد » وكان موظفاً في بلاط المنتصر .. غادر سامراء مولياً شطره صوب البحرين فالاحساء فالبصرة .. وليشعل بعد خمسة أعوام ثورة الزنوج في منطقة الأهوار جنوبي العراق (29) .
بلغ من نفوذ ابن الخصيب حداً جعله متغطرساً في تصرفاته ووصلت به الوقاحة الى أن يتهدد الامام ويطلب منه
تسليم منزله اليه ..
كان ابن الخصيب ووفقاً لتقارير الجواسيس على اطلاع على حجم الأموال التي ترد منزل الامام خاصة في عهد المنتصر ، وكان يعرف جيداً أن الامام يقوم بصرف الحقوق على الفقراء والمساكين الذين تضاعفت اعدادهم بسبب الفواضى وغياب الاستقرار والنهب .
كما أن انتشار الفكر الامامي بدأ يهدد مركز الحكم في العاصمة بعد أن اصبح الامام الشخصية التي تحظى بالاجلال واحترام الناس جميعاً .
قام رئيس الوزراء بزيارة رسمية الى منزل الامام ، الذي خرج لاستقباله فقال ابن الخصيب :
ـ سر جعلت فداك !
فأجابه الامام بكلمات تزخر بالرموز :
ـ « أنت المتقدم » (30) .
وبعد أن استقر به الجلوس ، وأجال نظره في المنزل ، تأججت أعماقه الخاوية بالاحقاد والأطماع ولم يتمالك نفسه أن قال :
ـ لابد من إخلائها وتسليمها اليّ !
نظر الامام اليه بسكينة ووقار .. ان هذا المخلوق التافه يرى قدرته في ، منصبه الخطير مستنداً الى قدرة الاتراك غافلاً عن قدرة الله المطلقة .. قال الامام وقد تجلت أنوار الايمان في عينيه :
ـ لأقعدن لك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية .
وشاء القدر أن يسدد ضربته بغتة لم تمر سوى أربعة أيام فقط حتى أقبل من منصبه إذ رأى القائد أو تامش أن يفرض نفسه رئيساً للوزراء معتمداً على قابليات كاتبه « شجاع بن القاسم » (31) .
أما احمد بن الخصيب فقد صودرت جميع ممتلكاته وممتلكات أولاده ونفي الى جزيرة كريت (32) .
واصبح أوتامش الحاكم الفعلي للبلاد فيما عين « شاهك » الخادم مسؤولاً عاماً لادارة شؤون القصر بما في ذلك الخزانة العامة للبلاد .
اسفرت شخصية أوتامش عن ذئب أغبر (33) يفتك بكل من يقف في طريقه فهو وراء تعيين « شاهك » الخادم في مناصبه الجديدة التي تمكنه من الاستحواذ على خزانة الدولة ..
ودخلت على شبكة النهب والدة المستعين ، أما الخليفة فقد انهمك في الاستمتاع بلذائذه الرخيصة تاركاً تدبير الأمور للوزير الذي تكفل تربية ابن الخليفة والاستحواذ على مخصصاته المالية الضخمة ..
ولم يقف وصيف وبغا مكتوفي الأيدي ، فقاما بتحريض بعض قطعات الجيش من المتضررين ، فحوصر الجوسق الخاقاني حيث يقيم أوتامش وكاتبه .

في البداية حاول رئيس الوزراء الفرار من القصر ولكنه اخفق ، فاستجار بالخليفة الذي رفض ذلك .. حوصر القصر ثلاثة أيام ثم اقتحم في يوم السبت وعثر عليه مختبئاً في قبو وتم اعدامه مع كاتبه وصودرت جميع ممتلكاته (34) .
وفي يوم الخميس الثالث من جمادى الأولى سنة 249 هـ 14 حزيران 863 م تحركت قطعات عسكرية من الزنوج المغاربة ورابطت عند الجسر ثم تفرقت في اليوم التالي .
وفي 16 تموز من الذي يصادف يوم الجمعة 25 جمادي الأولى اشتعلت البروق في سماء مثقلة بغيوم مشحونة وهطلت الامطار بغزارة طوال اليوم ؛ ثم سكنت الطبيعة بعد اصفرار الشمس قبيل الغروب (35) .
وفي غمرة الفوضى والفساد اشتعلت ثورة علوية كبرى بقيادة يحيى بن عمر من ذرية زيد الشهيد بشعارها المتألق « الرضا من آل محمد » وكانت الكوفة مخزن الثوار على مدار الزمن مركز الثورة ، وسرعان ما امتد لهيبها الى بغداد بعد أن تعاطف أهل السنة مع الثائر العلوي الذي بدأ اصلاحاته باطلاق السجناء في الكوفة .
واصبحت الثورة أملاً بالخلاص من ليل العباسيين الطويل ..
ولكن غياب الخبرة العسكرية وفنون الحرب النظامية قد حسم الصراع لصالح العباسيين بالرغم من الانتصارات الباهرة
التي أحرزها الثوار .
وكان دخول رأس يحيى على رمح طويل مدينة سامراء يوم حداد عام (36) فيما عم الاستياء مدينة بغداد ، وكانت الكوفة تغلي غضباً .
تصدعت الجبهة التركية واستشرت حمى الاطماع والتآمر واستحال الضباط الاتراك الى ذئاب يتربص أحدها بالآخر .
وفي الخفاء كان هناك صراع مرير يجري بين مساعدي الاتراك من اليهود والنصارى للحصول على المزيد من الأسلاب وظهر باغر كذئب أغبر لا يتورع عن الفتك بكل من يقف في طريقه ، وشاء القدر أن تصطدم المصالح والمنافع الشخصية بين « بغا الشرابي » و « باغر » وكانت نقطة الاصطدام في الكوفة . فقد دس وكيل باغر اليهودي على ابن مارما النصراني وتآمر عليه فزجه في السجن ، وفر ابن مارما فيما بعد متجهاً صوب سامراء ، وكان دليل بن يعقوب يعمل كاتباً لبغا فاستغل نفوذ بغا في منع باغر من الانتقام من ابن مارما .
وكان باغر ضابطاً يعمل تحت امرة بغا ، ولكن الأخير كان يخشى باغر ؛ ويحاول ارضاءه .
وبدأت الحوادث بالانفجار عندما جاء باغر سكران ليدخل على بغا وهو في الحمام وهو يتهدد « دليل بن يعقوب » بالقتل ، قال بغا مدارياً الضابط الشرس :
ـ لو أردت أن تقتل ابني فارس ما منعتك فكيف امنعك من قتل دليل ؟!
ـ إذن دعني اقتله !
ـ ان شؤون الخلافة بيده .. دعني أولاً أعين شخصاً آخر يقوم بعمله .
قال باغر بلغة تركية وهو يصر على أسنانه :
ـ لابد من قتله !
سكت بغا ولم يعلق على ما قاله باغر الذي انصرف وهو يترنح سكراناً أوعز بغا الى كاتبه دليل إلا يغادر منزله فقد يتعرض للاغتيال ، كما قام بتعيين شخص آخر ليوهم باغر بعزل دليل عن مسؤولياته .. وحاول أن يصلح العلاقات بين باغر ودليل .. ولكن باغر ما انفك يتهدد دليل بالقتل .
قرر باغر أن يكون له مقر في البلاط ويكون ضابطاً ثابتاً في قصر الخلافة ، ووافق المستعين على مضض خشية من أن يقوم باغر باغتياله ..
وتصاعدت حمى التآمر عندما طلب المستعين من وصيف ترقية باغر ليكون المسؤول عن ادارة شؤون البلاط وأن يكون له دور « ايتاخ » في عهد المعتصم .
وشعر دليل بالخطر فحرض بغا على التدخل لأن السماح
بذلك يعني نهاية « بغا » .
وعلى وجه السرعة قام بغا بزيارة مفاجئة للقصر ، وندد بموقف وصيف الذي أبدا استعداده للوقوف الى جانب بغا ، واتفق القائدان سراً على اغتيال « باغر » في أول فرصة .
انتشرت شائعات حول نية القصر بترقية باغر الى رتبة أمير ، وستضاف الى قواته قطعات أخرى من الجيش .
ولكن باغر شعر بان هناك من يتآمر ضده في الظلام فاجتمع سراً بأنصاره وكان بعضهم قد اشترك في عملية اغتيال المتوكل فعاهدوه على الوفاء له ، واستقر رأيهم على القيام بحركة انقلابية تسقط فيها رؤوس كثيرة في طليعتها رأس الخليفة ورأس وصيف وبغا ثم تعيين خليفة آخر من أولاد المعتصم أو الواثق يحكمون باسمه !
وتسربت الأخبار الى المستعين عن طريق زوجة باغر المطلقة والتي باحت بذلك الى المستعين !
وشعر الخليفة الضعيف بالرعب فاجتمع بالقائدين وصيف وبغا الذي وصلته الانباء عن طريق آخر .
واسفر الاجتماع عن تعيين موعد لاغتيال « باغر » في قصر « بغا » بسبب تردد باغر على القصر كجزء من واجبه كضابط ما يزال يخدم تحت إمرة « بغا » !
وسقط باغر في الفخ فاعتقل وسجن في الحمام .
وطارت الأخبار المثيرة الى جنوده الذين هبوا لنجدته وحدثت الفوضى في سامراء بسبب عنف التحرك في الكرخ وحركة الجنود المتذمرين الى الجانب الايمن من النهر .
وقام الجنوج باحتلال ونهب بعض قصور الخلافة وحوصر قصر الجوسق الخاقاني .
ولتحطيم هيبة الجنود المشاغبين أمر وصيف بقتل باغر .
وكان المستعين قد لجأ الى قصر وصيف المطل على الشاطىء .
وتضعضعت معنويات الجنود الذين رأوا بأعينهم رأس باغر الضابط العملاق ، لكنهم اصروا على المرابطة مطلقين صيحات بالتركية تتهدد الجميع .
قرر وصيف وبغا اصطحاب الخليفة والهروب الى بغداد فاستقلوا « حراقة » راسية في النهر وانحدروا الى بغداد .
سيطر الجنود الثائرون على سامراء ، ونهبت بعض القصور وقطعوا كافة الاتصالات مع بغداد .
وظهر « بايكباك » و « كلباتكين » و « ارناتجور » قادة للحركة العسكرية الجديدة .
وعندما اطل عام 251 هـ كان الوضع ينذر بوقوع كارثة ، خاصة عندما حاول المستعين تعبئة قوات من الزنوج المغاربة ضد الاتراك المتمردين ؛ أدرك القادة الاتراك في سامراء أن مصيرهم سيكون
مجهولاً ، ولذا قرروا ارسال وفد برئاسة القائد « بايكباك » لتقديم اعتذار للخليفة واقناعه بالعودة الى العاصمة وكادت المفاوضات بسفر عن نتيجة مرضية ولكن « بايكباك » تلقى صفعة بسبب تعديه اصول اللياقة في مخاطبة مقام الخليفة ، فعاد الى سامراء وهو يضمر الانتقام من الجميع .
دخلت الاوضاع مأزقاً خطيراً باقدام الاتراك على رفع الاقامة الجبرية عن المعتز واعلانه خليفة بدل المستعين الذي أعلنوا عن خلعه !
وفي هذه الفترة العصيبة ظهر رجال عهد المتوكل لتعزيز موقع المعتز الذي يمثل امتداداً لسياسة أبيه ، وبدأت في سامراء تعبئة جيش كبير للزحف على بغداد التي بدأت هي الأخرى تستعد للمقاومة باقامة خطوط دفاعية واستحكامات كلفت الخزانة مبالغ طائلة .
قام المعتز بمصادرة ممتلكات اقرباء المستعين لتعزيز ميزانية الحرب ، ووقف اليهود الى جانبه بزعامة « الديزج » الذي عين قائداً للشرطة !
كما عُين أحمد بن اسرائيل رئيساً للوزراء لادارة شؤون البلاط والخلافة واصبحت فكرة الزحف لاحتلال بغداد وشيكة التنفيذ لجأ المستعين الى قصر محمد بن عبد الله بن طاهر حاكم بغداد وشرق ايران واصبحت دفة الأمور في يد الحاكم الذي كان يعيش شكلاً من التردد بين مناصرة الخليفة الهارب أو الوقوف الى جانب المعتز ابن المتوكل الذي تربط اسرته معه صداقة قديمة ..
وعملياً كان ابن طاهر يقود حركة الدفاع فاتخذ الى جانب بناء خطوط بغداد الدفاعية اجراءات لعرقلة الزحف القادم من الشمال .
تم تدمير جميع القناطر على كل الانهر المحيطة ببغداد وفتح الانهار لاغراق الأراضي التي تقع في تقدم الاتراك اذا ما راموا الزحف من جهة « الانبار » .
اما بغداد فقد باتت محصنة بسورها الكبير الذي امتد من « الشماسية » شمال بغداد الى « سوق الثلاثاء » الى دجلة ومنها الى « بساتين زبيدة » ، كما استكمل حفر الخنادق على امتداد السور الطويل واصبحت المجانيق الصغيرة والكبيرة جاهزة لاطلاق حممها الملتهبة ، اضافة الى عشرات العوارض المجهزة بمسامير طويلة .
وكان المنجنيق الذي يدعى بـ « الغضبان » رابضاً أمام باب كبيرة معلقة .
كما عبأ ابن طاهر عياري بغداد وهم عشرات الألوف ورصد لهم مكافآت ومرتبات مغرية اضافة الى استخدام مئات المرتزقة .
وهكذا سيطرت أجواء الحرب على الحياة في بغداد وبدأ ارتفاع الاسعار في المواد الغذائية .
وفي مطلع « صفر »251 هـ زحفت قوات الاتراك بقيادة أبو أحمد بن المتوكل العامة فيما كان « كلباتكين » القائد الميداني الذي يصمم وينفذ خطط المعارك القادمة .
وخلال الزحف دمّرت القرى الواقعة في الطريق واستولى الاتراك على جميع المحاصيل الزراعية .
وفي السابع من « صفر »نقل الجواسيس نبأ وصول القوّات الزاحفة المنطقة المتاخمة للشماسية في أطراف بغداد .
كما أفادت تقارير أخرى عن وجود خطة لاحراق الاسواق في جانبي تقارير أخرى عن وجود خطة لاحراق الاسواق في جانبي بغداد ، فتم كشطها جميعاً .
وفي يوم الثلاثاء 10 صفر قام ابن طاهر القائد العام لقوات الدفاع عن بغداد بحركة لاستعراض قواته أمام الاتراك لارهابهم مصطحباً معه مجموعة من الفقهاء والقضاة لايفادهم الى أبي احمد والتفاوض معه حول تفادي وقوع الحرب مقابل اعلان
« المعتز » وليا للعهد ولم تجد هذه الخطوة شيئاً ، فيما قام الاتراك المرابطون قرب الشماسية باستفزازات لتفجير الوضع ولكن ابن طاهر اصر على عدم الرد .
وتقدم بعض الفرسان الاتراك صوب الباب ووجهوا زخة من السهام اكتفى قائد الحامية بالرد عليها بقذيفة منجنيق قتلت أحدهم فانسحب الباقون .
وفي نفس اليوم وصلت تعزيزات من عدة مئات من المرتزقة بغداد للاشتراك في حرب الدفاع .
وصعد الاتراك في اليوم التالي الموقف بتكثيف هجماتهم على باب الشماسية وبات واضحاً أن المعارك الرئيسية سوف تشتمل في هذه المنطقة فارسلت تعزيزات اضافة مؤلفة من الفرسان والمشاة .
وفي أول اشتباك عنيف سقط عشرات الجرحى والقتلى في صفوف الفريقين .
وقامت كتائب من الاتراك بمحاولة لاقتحام بغداد من باب خراسان في الجانب الشرقي فاخفقوا .
ولم يحدث في نهر دجلة أي اشتباك يذكر .
وفي « قطربل » تقدم الزنوج بقيادة ربلة المغربي الذي كان يقود قوات من « الفراغنة » أيضاً واتخذت القوات المتقدمة مواقعها قريباً من الدفاعات ، وحدث تراشق عنيف بالسهام .
وقامت القوات المدافعة بغارة ليلية جريئة فاكتسحت المناطق المحتلة ورمى الجنود الفارون انفسهم في دجلة لعبور النهر الى معسكر أبي أحمد في الجانب الشرقي ، ولكن « التيارات » المشحونة بالمقاتلين قطعت عليهم الطريق فتم أسرهم فيما غرق الباقون .
وقد أدى هذا النصر الساحق الى أن يغير الاتراك الزاحفون خططهم وعندما وصلت انباء هذه الهزيمة الى سامراء انتعشت آمال الناس وحدثت حركة شعبية مضادة لخلافة المعتز (37) .
وكان سير المعارك والاشتباكات يسير لغير صالح الاتراك . وفي غمرة الحرب الاهلية وتدهور الاوضاع الاقتصادية اندلعت سلسلة من الثورات العلوية ، في « اردبيل » و « الري » وثورة في مكة وفي الكوفة وفي قزوين وزنجان .
تبادل المتحاربون النصر والهزيمة وكانت أمطار آذار تخفف من حدة الاشتباكات التي حصدت عشرات الأرواح من السكان ، وظهر عبيد الله بن يحيى وزير المتوكل في بغداد بشكل محيّر وليلعب دوراً في تمزيق جبهة بغداد بعد أن اقنع ابن طاهر بالتخلي عن المستعين مؤكداً له أن الأخير يتآمر عليه بل أنه طلب من وصيف وبغا اغتياله والقضاء عليه .
وقد كان لهذه الخطوة اضافة الى تدهور الاوضاع الاقتصادية وغلاء الاسعار وتذمر السكان من الحصار أثراً كبيراً في تحرّط ابن
طاهر وضغطه على المستعين للتنازل عن الخلافة وقد حصل ذلك بعد انشقاق بغا ولجوئه الى المعتز .
وفي شهر ذي الحجة 251 هـ شتاء عام 866 م وقع المستعين وثيقة التنازل مقابل ضمان سلامته وأفراد اسرته وسلم حلة الخلافة ليغادر بغداد منفياً الى مدينة واسط العراقية .
وأطل عام 252 هـ فيما كانت رياح كانون الباردة تلفح الوجوه ورعود الثورات تدوي في كل الآفاق ، وبدا تمثال الفارس حائراً لا يدري أين يشير برمحه الطويل 38 ؟!
وتصاعدت في هذه الفترة المتفجرة وتيرة الاغتيالات ، التي تحدث لأقل الشكوك .
وظهرت « قبيحة » أم المعتز كذئبة مجنونة تريد الانتقام من الجميع ولم يكن المعتز الذي ناهز التاسعة عشرة من عمره سوى أداة طيعة في يدها وأيدي القادة الاتراك الذين أثروا ثراء فاحشاً في الحرب الاهلية .
ولعب الجواسيس دوراً في انتشار الرعب ، وانعدام الثقة .
وكانت أم المعتز تدير شخصياً شبكة مرعبة من الجواسيس وفي ضوء التقارير الصحيحة والكاذبة تسقط الرؤوس ويموت الناس في ظروف غامضة .
كان المعتز قد زج بأخويه في السجن « المؤيد » و « طلحة » الذي قاد الزحف على بغداد وحصل على لقب « الموفق » .
استدعى المعتز « بغا الشرابي » حول معلومات تفيد بعزم الاتراك على اطلاق سراح المؤيد من السجن .. ولكن بغا الشرابي نفى ذلك بشدة مؤكداً ان الاتراك يكنون احترامهم فقط لقائد الحملة على بغداد !
وفي مدينة « بلد » توفى أحد ابناء الامام الهادي في ظروف غامضة ، وكان « محمد » الذي يبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة قد غادر سامراء مفضلاً العودة الى المدينة المنورة (39) .
وقد هزت الحادثة الأسرة الطاهرة ، فلقد كان ذلك الشاب النبيل محط الآمال 40 ؛ خاصة الذين عرفوه وعرفوا اخلاقه الكريمة .
وسرعان ما توفى المؤيد في سجنة ورتب محضر رسمي في أن الوفاة كانت طبيعية !
كانت « قبيحة » تصر على تصفية « المستعين » المخلوع ، فصدرت أوامر شخصية من المعتز الى « أحمد بن طولون » حاكم « واسط » باغتياله الذي رفض ذلك ، لكنه وافق فيما بعد على ترحيله الى سامراء .
وفي « سامراء » تم تسليمه الى « سعيد الحاجب » .
ولم يمهله سعيد وقتاً فأهوى عليه بالسيف ليتدحرج رأسه قرب النهر .
كان المعتز يلعب الشطرنج عندما جاءوا اليه برأس ابن عمه فلم يلتفت اليه وقال وهو يشير الى رف .
ضعوه هناك حتى انتهي من « الدست » (41) .
واكتفى بنظرة عابرة ثم أشار الى حرسه بأخذه .
وصدر « عفو رسمي » عن وصيف وبغا بعد مساع قام بها اسماعيل بن « قبيحة » وشقيق المعتز وضغوط الاتراك (42) .
وتم تنصيب اسماعيل ولياً للعهد (43) .
كما توفى « زرافة » أحد المؤيدين لحركة المنتصر بعد نجاحها (44) .
وبدا واضحاً أن هناك حرباً خفية للسيطرة على البلاط .
وارتفعت حمى الاغتيال وسيطر جو المؤامرات على سامراء .


الكاتب كمال السيد، وللرواية بقية شهية ...