7 يناير 2009

معركة غزّة بدأت مع أوباما في تمّوز! جان عزيز

ابحثوا دائماً عن واشنطن! مقولة يؤكد الإصرار عليها زوار العاصمة الأميركية، في سياق قراءتهم لأحداث غزّة وخلفياتها والأهداف.لا يكفي طبعاً صمت باراك أوباما، وكامل فريق سياسته الخارجية. ولا تقنع طبعاً قاعدته التي ناور بها، لجهة أنه يؤمن بوجود «رئيس واحد في كل وقت»، متنصّلاً بذلك من مقاربة ما يحصل في غزّة، ومتخذاً لنفسه مسافة كافية من مواقف إدارة جورج بوش الخارجة من الحكم. المقولة نفسها خرقها أوباما قبل أسابيع، عند أحداث مومباي الهندية، ويخرقها كل يوم في المواضيع الأميركية الداخلية، حتى الأقل أهمية من كارثة إنسانية وأخلاقية وربما سياسية، كالتي تحصل في غزّة منذ عشرة أيام.لا بل يقول الزوار المراقبون إن في واشنطن من يعتقد أن كل الأحداث الراهنة بدأت مع أوباما بالذات، حتى قبل وصوله إلى الرئاسة. كل ما يحصل اليوم ــــ يقولون ـــــ بدأ عندما زار المرشح الرئاسي الديموقراطي، في تموز الماضي، مستعمرة سديروت، ووقف أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية والدولية ليؤكد أنه «إذا كان هناك من يرسل الصواريخ إلى منزلي، حيث تنام ابنتاي ليلاً، فإني سأقوم بكل ما أوتيت من قوة لوقف ذلك».عندها بدأت أحداث غزّة، لا في 27 كانون الأول الماضي، يقول الزوار المراقبون. وبدأت استناداً إلى معادلة انتخابية ثنائية، وواضحة، بين واشنطن وتل أبيب. أوباما أُبلغ دعم اللوبي الإسرائيلي لمعركته الرئاسية.لكنه ذهب أبعد، ليبحث في دعم «اللوبي الأميركي» لأطراف الانتخابات الإسرائيلية. ففريق أوباما للسياسة الخارجية معروف بحساسيته المفرطة ضد نتنياهو. وحسابات واشنطن وتل أبيب معاً أن زعيم الليكود يملك ورقة انتخابية رابحة وحيدة، ألا وهي قوله للإسرائيليين: أنا قادر على سحل «حماس» في غزّة.هكذا تم الاتفاق بين أوباما من جهة، وثنائي كاديما ـــــ العمل، أو ليفني ـــــ باراك من جهة أخرى، على ضرورة سحب ورقة نتنياهو من رصيده الانتخابي، وفي التوقيت المثالي لذلك. أي توقيت تنطبق عليه صفة المثالية تلك؟ طبعاً قبل تسلّم إدارة أوباما مقاليد الحكم، وفيما يخفف عن واشنطن مسؤوليات الخطوة، على عكس ما كان الوضع في لبنان مع حرب تموز 2006.ولأن تلك الحرب الأخيرة كانت هاجساً للطرفين، بدت كل دروسها وعبرها على طاولة سلوك الطرفين. وأول تلك الدروس، تواضع الأهداف المحددة مسبّقاً للحرب: لا كلام عن إنهاء «حماس»، كما كان كلام أولمرت وعمير بيرتس عن إنهاء «حزب الله». لا حديث عن تحرير جلعاد شاليط، كما كان وضع أسيرَي 12 تموز. ولا حتى تطلّع إلى وضعيات دائمة في القطاع، كما كانت الأحلام والأوهام حيال تركيبة سلطة قريطم في بيروت، في ظل التصور الإسرائيلي لعدوان تموز.هكذا، بلغة «عقلانية»، تقتصر على وقف الصواريخ والتعاون مع السياقات الدولية الممكنة لضبط الحدود، وفي ظل صمت أميركي كامل، وغباء أقل من قبل أنظمة عرب التسوية، انطلقت عملية غزّة.ما هي الأهداف الواقعية المحددة للمعركة إذاً؟ يقول زوار واشنطن إنها مرسومة بين ضوابط سياسية، أكثر منها محددة وفق التطورات العسكرية. وأبرز تلك الضوابط عدم الذهاب ميدانياً حتى احتلال غزّة، لأن ذلك قد يهدّد استقرار الأنظمة العربية «المتعاونة»، وخصوصاً في الرياض وعمان والقاهرة، وبالأخص في ظل الهفوات الكارثية لأداء تلك الأنظمة. ثم عدم الذهاب حتى إسقاط «حماس»، نظراً إلى الاعتقاد بضرورتها لعدم إفراز «قاعدة فلسطينية»، ولعدم توريط ما بقي من عملية سلمية وسلطة فلسطينية، في تيار شعبي يؤدي إلى اندثارهما.تبقى العبرة الأخيرة من حرب تموز، إذا كان التوقيت محدداً، فالوقت ليس مفتوحاً، وحرب غزّة يجب أن تنتهي قبل أيام من تسلّم أوباما في الـ20 من الجاري. ما بقي امتحانٌ لمدى التطابق بين حساب الحقل الأميركي الإسرائيلي وحساب البيدر الفلسطيني، «الطابش» حتى اللحظة في كل موازين الحساب.

ليست هناك تعليقات: