9 أكتوبر 2008

الطريق نحو ديانة لا ادري


عندما تزايدت سطوة الشركات المحتكرة للاعلام، وتحولت الى مصدر المعلومات الاول والوحيد للطبقات العاملة في الغرب، تحولت فلسفة اللاادرية المتعلقة باثبات او نفى المغيبات، الى ديانة تمتد الى كافة وجوه الحياة وانتشرت بمعدلات سرطانية. ولان كان الاعتذار بقلة المعلومات سبباً في جهل من سبقنا، فعذر معاصرينا هو كثافة المعلومات وتنوعها !!!.
تخيل رجلاً لم يكمل تعليمه الثانوي، يعود من عمله المضني في افران صهر المعادن، يجلس امام التلفاز وهو يلتهم قطعة طعام جاهزة، ثم تعرض عليه نظرية النشؤ والارتقاء !! على يمين شاشته بروفيسور موقن بان نظرية داروين تفسير كافي ووافي لتفسير وجود الانسان على الارض، ويسوق عشرات الادلة على ان هناك حلقة مفقودة نتج عنها الانسان والقرد بفعل عدة عوامل. وعلى يسار الشاشة بروفيسور في نفس الاختصاص لا يحمل تفسيراً لموضوع المناظرة ولكنه متمكن في نقد نظرية النشؤ والارتقاء ويسوق عشرا
ت الادلة على بطلانها. وبقدر مااستعان الاول على تأكيد حقيقة مايقول بصور واكتشافات وتفسيرات، استعان الثاني بنفس المقدار من الصور والاكتشافات المضادة والتفسيرات المناقضة ليخلص الى نقد مااكده زميله !!.
وانهى مقدم البرنامج المناظرة بالقول : سمعتم من يؤكد ان الوجود البشري على الارض هو مسار تطور لجد اعلى (الحلقة المفقودة) يجمع بالنسب مابين القرد والانسان، وسمعتم من يقول ان هذه النظرية محض هراء ناتج عن ضعف ادوات التحليل ايام اطلاق هذه النظرية، وانتم الحكم .. طاب مساؤكم !!!.
تجشأ صاحبنا واغمض عينيه تعباً ونام.
الآن تخيل صاحبنا نفسه، يستيقظ على خبر عاجل ويشاهد مشدوهاً طائرات عملاقة تدخل في ابراج اسمنتية وتحيلها غباراً، وعلى يمين المشهد ويساره الآف الناس تفر من المكان مذعورة خائفة ... ثم يصبح المشهد غريباً تحدد السلطات من قام بالعمل وتنشر اسماءاً وصوراً للفاعلين، وتعلن عن العثور على جواز سفر احد المتهمين بين انقاض البرجين، ووصية آخر ومتعلقاته في سيارة تركت بالمطار. وتفاصيل .. وتفاصيل .. وصاحبنا يمضغ طعامه الجاهز وعيناه لا تفارقان التلفاز.

الى هنا هو يعرف ماحدث، موقن من حدوثه، قطع شكه باليقين عندما اعترف الفاعلون بانفسهم وبتسجيلات رآها بنفسه.
بعد سنوات على الحادث يشاهد صحافي متحمس يسفه كل مارآه بنفسه، ويقول ان العلم يجزم ويقطع بعجز طائرات مصنوعة من الالمونيوم على اختراق الاسمنت والفولاذ ناهيك عن تحويلها الى غبار. وان اختطاف وتغيير مسار طائرات عملاقة وقيادتها فوق اماكن حساسة امر مستحيل، وان معرفة من قام بهذا العمل استنادا الى جواز سفر نجا باعجوبة من جهنم البرجين، ورسالة في سيارة مهجورة امر في غاية السخف .
صاحبنا الواثق مما رآه توقف عن المضغ، وبدأ يشك بصحة رؤيته ، ثم تحول الشك الى ظن بانه كان ضحية خدعة..
.. الم يكن بالامس يشاهد ساحراً يقطع حسناء الى نصفين ثم يعيدها كما كانت ؟.
الم يشاهد كوبرفيلد يخفى طائرة امام حشد من الناس ؟.
الم يشاهده يخترق سور الصين العظيم بلحمه وشحمه وينفذ من الجهة الاخرى بدون ان يترك اثراً في الجدار ؟. كلا ماهذا الهراء ماذا عن كل الناس التي شاهدت ماشاهده وحكمت بصحته؟ يعود الصحافي المتحمس ليقطع الشعرة التي تمسك بها: معظمهم مثلك لايملكون اختصاصاً يؤهلهم للحكم على صحة مايرونه من خدع تلفزيونية متقنة. ويكمل الصحافي معدداً عشرات الخبراء والمرموقين من اصحاب الاختصاصات الذين يقطعون بان ماحدث ليس الا خدعة ضخمة اعدت بعناية لتبرير خروج المحافظين الجدد الى "حرب جمع الغنائم" بعد انتهاء الحرب الباردة بدون استثمارها كما ينبغى من قبل المنتصر . !
اصيب صاحبنا بصداع، تمتم بشتيمة بذيئة قلب المحطة على توم اند جيري واسترخى في مقعده : من هو ال... الذي يمكنه معرفة هل حدث ماحدث او لم يحدث... لا ادري .. لا ادري !!.

الآن تخيل نفس النمط يعمم على كل مسارات الحياة وخذ هذه الفرضيات :
اذا علمت ان الطفل الرضيع فلان سيكبر ليقتل مليوناً من البشر ظلماً وعدواناً، هل تقتله لانقاذ المليون ؟.
اذا كان ثمن المقاومة تدمير اجزاء واسعة من الوطن، الا يعد الرضوخ للعدو امراً حكيماً ؟؟!.
ماالعيب في الكذب اذا كان طريقاً مضموناً لهداية الناس الى الحق الذي اؤمن به؟؟؟!!!.
وبطبيعة الحال من الضروري والملح والجوهري ان لاتكون حرية الاعلام صالحة الا في مجال توجيه السفسطة الاغريقية واحدث تقنيات الدعاية النفسية والعقلية على من لايفك الحرف، وانصاف المتعلمين (وانا منهم) والمشغولين بمطاردة الرغيف من طابور الى آخر.
عندما نقول في مجال المتفجرات : الخطأ الاول هو الخطأ الاخير، نعنى انك اذا اخطئت لن تبقى حياً لترتكب خطأ آخر.
ونقول ايضاً : الجهل بالمتفجرات خير من نصف العلم بها .. لان الجهل سيدفعك لعدم المغامرة بماقد يقتلك، ونصف العلم قد يجرئك على ذلك.
هذا في مجال قد يهلك فيه من يخطأ بمفرده، فما رأيك بمن تعلم الابجدية بالامس ويأتي اليوم ليعبث في مزيج من الاديان والمذاهب والقوميات تشكل مانطلق عليه منطقة الشرق الاوسط، ثم يتخذ لنفسه مذهباً ناجياً ويرسل بالملايين المتبقية من امته الى جهنم مستحلاً دمائهم واعراضهم واموالهم، لانه قرأ حديثاً لزيد وتفسيراً لعمرو وظن انه بذاك اصبح فقيه الامة ووحيدها علماً وفهماً وفقهاً.
واذا دعوته للتواضع احالك على فلان وفلان ممن يوافقونه الرأي !! وكأن الامة اختزلت بفقيه السلطان هذا او بمهرج البلاط ذاك !!!.

عندما مررت في احد الشوارع الساحلية في بلد عربي شاهدت اعلاناً يقول " يوجد لدينا دود اسباني حي " ، سألت عن المراد بالدود وفيما يستخدم، فاخبرني مرافقي انه دود الارض ويستخدم لصيد السمك بالصنارة. فسألته باستنكار : ولا يأكل السمك الا هذا الصنف المستورد!!! الا يوجد لديكم دود محلي؟؟؟ فاحمر وجهه وسكت خجلاً.

اسف ياصديقى لانى احرجتك، لان بلغت السفاهة في وطنك حد استيراد الدود حياً من اسبانيا، فلقد بلغت السفاهة في اوطان اخرى حد استيراد ديانة "لاادري" وتقنيات نشرها ايضاً.

هناك تعليقان (2):

Bella يقول...

مرحبا اخي الكريم

اشكرك على زيارتك لمدونتي وعلى الاضافة المميزة لموضوع عماد مغنية

واحب اعرفك اني لم ازر لبنان يوما وإن كنت بالتأكيد اتمنى ان ازوره يوما ما وأن يكتب لي الله ان ارى هذا البلد العظيم الذي انجب رجال المقاومة الذين نشد ضهرنا بهم.

واشكر الصدفة السعيدة التي عرفتني على مدونتك الرائعة والتي ساتابعها من الآن فصاعداً.

تحياتي

ناصر يقول...

bella

لبنان يتشرف بزيارتك. وسعيد بزيارتك